" ولا تخافت بها وابتغ " ولعل الرواية عنهما غلط، ويؤيده نقل خلاف ذلك عنه عليه الصلاة والسلام أو الاخفات محمول على عدم حديث النفس، بحيث لا يظهر الحروف والابتغاء على وجه لا يسمع من يؤذي ويستمع فتأمل.
وثانيها: أن معناه لا تجهر بدعائك ولا تخافت به، ولكن أطلب بين ذلك سبيلا، فالمراد بالصلاة الدعاء، ولا يخفى بعده أيضا فإن المتبادر منها الصلاة الشرعية، وأن الاخفات في الدعاء مطلوب قال الله تعالى " ادعوا ربكم تضرعا و خفية (1) " وفي موضع آخر " وخيفة ودون الجهر من القول (2) " وفي الأخبار ما يدل عليه كثير.
وثالثها أن معناه ولا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافك بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلا: بأن تجهر بصلاة الليل، وتخافت بصلاة النهار، ليمكن المتابعة و الجماعة في الفريضة والقيام للنافلة أيضا. هذا أيضا بعيد، وغير مفهوم، مع أنه لا بد من جعل صلاة الفجر من الليلية، وجعل ركعتي العشاء والأخيرة من المغرب من النهارية، وهو مما لا يفهم بوجه.
ورابعا لا تجهر جهرا يشغل به من يصلي قربك، ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك عن الجبائي وقريب منه ما رواه أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال الجهر بها رفع الصوت شديدا والمخافتة ما لم تسمع أذنك وابتغ بين ذلك سبيلا أي قراءة وسط بين الجهر والمخافتة، وهذا هو المتبادر فالمنهي هو الجهر العالي جدا بحيث يخرج عن كونه قارئا في الصلاة، والاخفات الخفي بحيث يلحق بحديث النفس، ويخرج عن القراءة، فلا يجوز الافراط ولا التفريط، بل يجب الوسط و الاقتصاد والعدل، وما بين الافراط والتفريط، ولكن علم من السنة الشريفة اختيار بعض أفراد هذا الوسط في بعض الصلوات: الجهر في الجملة للرجل في الصبح وأولتي المغرب والعشاء، وجميع النوافل الليلية، والاخفات في غيرها.