فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار: تقدموا فتكلموا، وقال الأنصار للمهاجرين: بل تكلموا أنتم، فإن الله عز وجل أدناكم في كتابه إذ قال الله: " لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار ". قال أبان: فقلت له:
يا ابن رسول الله إن العامة لا تقرأ كما عندك، فقال: وكيف تقرأ يا أبان؟ قال:
قلت: إنها تقرأ: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار " فقال:
ويلهم! وأي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى تاب الله عليه منه؟
إنما تاب الله به على أمته. فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص، ثم باقي المهاجرين، ثم من بعدهم الأنصار. وروي أنهم كانوا غيبا عن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فقدموا وقد تولى أبو بكر! وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقام خالد بن سعيد بن العاص وقال:
اتق الله يا أبا بكر، فقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله - قال - ونحن محتوشوه يوم قريظة حين فتح الله له وقد قتل علي يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم: يا معاشر المهاجرين والأنصار! إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمرا فاحفظوه، ألا إن علي بن أبي طالب عليه السلام أميركم بعدي وخليفتي فيكم، بذلك أوصاني ربي، ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم، واضطرب عليكم أمر دينكم، ووليكم شراركم، ألا إن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعاملون بأمر أمتي من بعدي، اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيبا من مرافقتي يدركون به نور الآخرة، اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فأحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض.