بالسبق، تالله! ما لكم الحجة في ذلك، هلا سبق صاحبكم إلى المواضع الصعبة والمنازل الشعبة والمعارك المرة، كما سبق إليها علي بن أبي طالب صلوات الله عليه الذي لم يكن بالقبعة ولا الهبعة، ولا مضطغنا آل الله ولا منافقا رسول الله، كان يدرأ عن الإسلام كل أصبوحة، ويذب عنه كل أمسية، ويلج نفسه في الليل الديجور المظلم الحلكوك مرصدا للعدو، هو ذل تارة وتضكضك أخرى ويا رب لزبة آتية قسية! وأوان آن أرونان قذف بنفسه في لهوات وشيجة، وعليه زغفة ابن عمه الفضفاضة وبيده خطيته عليها سنان لهذم، فبرز عمرو بن ود القرم الأود والخصم الألد، والفارس الأشد على فرس عنجوج، كأنما نجر نجره باليلنجوج، فضرب قونسه ضربة قنع منها عنقه، أو نسيتم عمرو بن معدي كرب الزبيدي؟ إذ أقبل يسحب ذلاذل درعه مدلا بنفسه، قد زحزح الناس عن أماكنهم، ونهضهم عن مواضعهم، ينادي أين المبارزون يمينا وشمالا فانقض عليه كسوذنيق أو كصيخودة منجنيق، فوقصه وقص القطام بحجره الحمام، وأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله كالبعير الشارد، يقاد كرها، وعينه تدمع، وأنفه ترمع، وقلبه يجزع، هذا وكم له من يوم عصيب برز فيه إلى المشركين بنية صادقة، وبرز غيرة وهو أكشف أميل أجم أعزل. ألا وإني مخبركم بخبر على أنه مني بأوباش كالمراطة بين لغموط وحجابه وفقامه، ومغذمر ومهزمر، حملت به شوهاء شهواء في أقصى مهيلها، فأتت به محضا بحتا، وكلهم أهون على علي من سعدانة بغل، أفمثل هذا يستحق الهجاء؟ وعزمه الحاذق، وقوله الصادق، وسيفه الفالق، وإنما يستحق الهجاء من سامه إليه وأخذ الخلافة، وأزالها عن الوراثة، وصاحبها ينظر إلى فيئه، وكأن الشبادع تلسبه، حتى إذا لعب بها فريق بعد فريق وخريق بعد خريق، اقتصروا على ضراعة الوهز وكثرة الأبز، ولو ردوه إلى سمت الطريق والمرت البسيط والتامور العزيز، ألفوه قائما
(٣٦٠)