وجاء الأعرابي فعقل ناقته بطرف زمامها، ثم أذن له فدخل فأورده قصيدة لم يسمع السامعون مثلها جودة قط إلى أن انتهى إلى قوله:
ولما أن رأيت الدهر إلى * علي ولح في إضعاف حالي وفدت إليك أبغي حسن عقبى * أسد بها خصاصات العيال وقائلة إلى من قد رآه * يؤم ومن يرجى للمعالي فقلت إلى الوليد أزم قصدا * وقاه الله من غير الليالي هو الليث الهصور شديد بأس * هو السيف المجرد للقتال خليفة ربنا الداعي علينا * وذو المجد التليد أخو الكمال قال: فقبل مدحته وأجزل عطيته، وقال له: يا أخا العرب! قد قبلنا مدحتك وأجزلنا صلتك، فاهج لنا عليا أبا تراب، فوثب الأعرابي يتهافت قطعا ويزأر حنقا ويشمذر شفقا! وقال:
والله! إن الذي عنيته بالهجاء لهو أحق منك بالمديح وأنت أولى منه بالهجاء! فقال له جلساؤه: اسكت نزحك الله! قال: علام ترجوني؟ وبم تبشروني؟ ولما أبديت سقطا ولا قلت شططا ولا ذهبت غلطا، على أنني فضلت عليه من هو أولى بالفضل منه علي بن أبي طالب صلوات الله عليه الذي تجلبب بالوقار، ونبذ الشنار، وعاف العار، وعمد الإنصاف، وأبد الأوصاف، وحصن الأطراف، وتألف الأشراف، وأزال الشكوك في الله بشرح ما استودعه الرسول من مكنون العلم الذي نزل به الناموس وحيا من ربه، ولم يفتر طرفا، ولم يصمت ألفا، ولم ينطق خلفا، الذي شرفه فوق شرفه، وسلفه في الجاهلية أكرم من سلفه، لا تعرف المأديات في الجاهلية إلا بهم ولا الفضل إلا فيهم، صفة من اصطفاها الله واختارها.
فلا يغتر الجاهل بأنه قعد عن الخلافة بمثابرة من ثابر عليها وجالد بها، والسلال المارقة والأعوان الظالمة، ولئن قلتم ذلك كذلك إنما استحقها