إذا كانوا يقدرون على الكفر وأنواع الضلال وقد يئسوا من قبول التوبة لم يدعهم داع إلى الكف عما في طباعهم، ولا انزجروا من فعل قبيح يصلون به إلى النفع العاجل، ومن وصف الله تبارك وتعالى بإغراء خلقه بالمعاصي وإباحتهم الذنوب فقد أعظم الفرية عليه!.
جواب: قيل لهم: ليس الأمر على ما ظننتموه، وذلك أن الدواعي لهم إلى المعاصي ترتفع إذ ذاك، ولا يحصل لهم داع إلى قبيح على وجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب، لأنهم يكونون قد علموا بما سلف لهم من العذاب وقت الرجعة على خلاف أئمتهم عليهم السلام، ويعلمون في الحال أنهم معذبون على ما سبق لهم من العصيان، وأنهم إن راموا فعل قبيح تزايد عليهم العقاب، ولا يكون لهم عند ذلك طبع يدعوهم إلى ما يتزايد عليهم به العذاب، بل يتوفر لهم دواعي الطباع والخواطر كلها إلى إظهار الطاعة والانتقال عن العصيان.
وإن لزمنا هذا السؤال لزم أهل جميع أهل الإسلام مثله في أهل الآخرة وحالهم في إبطال توبتهم وكون ندمهم غير مقبول، فمهما أجاب الموحدون لمن ألزمهم ذلك فهو جوابنا بعينه.
سؤال آخر: وإن سألوا على المذهب الأول والجواب المتقدم فقالوا: كيف يتوهم من القوم الإقامة على العناد والاصرار على الخلاف وقد عاينوا - فيما تزعمون - عقاب القبور وحل بهم عند الرجعة العذاب على ما تزعمون أنهم مقيمون عليه؟ وكيف يصح أن يدعوهم الدواعي إلى ذلك ويحظر لهم في فعله الخواطر؟ ما أنكرتم أن تكونوا في هذه الدواعي مكابرين.
جواب: قيل لهم: يصح ذلك على مذهب من أجاب بما حكيناه من أصحابنا بأن يقول: إن جميع ما عددتموه لا يمنع من دخول الشبهة عليهم في استحسان الخلاف، لأن القوم يظنون أنهم إنما بعثوا بعد الموت تكرمة لهم وليلوا الدنيا كما كانوا، ويظنون أن ما اعتقدوه في العذاب السالف لهم كان غلطا منهم،