فقال ابن عباس: كذبت والله أنت! وليس كما ذكرت، ولكنه لله ذكور ولنعمائه شكور وعن الخنا زجور، جواد كريم سيد حليم ماجد لهميم، إن ابتدأ أصاب وإن سئل أجاب، غير حصر ولا هياب ولا فحاش عياب حل من قريش في كريم النصاب، كالهزبر الضرغام الجرئ المقدام في الحسب القمقام، ليس يدعى لدعي ولا يدني لدني. [لا] كمن اختصم فيه من قريش شرارها فغلب عليها جزارها، فأصبح ألأمها حسبا وأدناها منصبا، ينوء منها بالذليل ويأوي منها إلى القليل، يتذبذب بين الحيين كالساقط بين الفراشين، لا المضطر إليهم عرفوه ولا الظاعن عنهم فقدوه. وليت شعري! بأي قد تتعرض للرجال وبأي حسب تبارز عند النضال؟ أبنفسك فأنت الوغد الزنيم، أم بمن تنتمي إليه؟
فأهل السفه والطيش والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهروا ولا بقديم في الإسلام ذكروا، غير أنك تتكلم بغير لسانك وتنطق بالزور في غير أقرانك.
والله لكان أبين للفضل وأظهر للعدل أن ينزلك معاوية منزلة العبيد السحيق، فإنه طالما ما سلس داؤك وطمح به رجاؤك إلى الغاية القصوى التي لم يخضر بها رعيك ولم يورق بها غصنك.
فقال عبد الله بن جعفر: أقسمت عليك لما أمسكت! فإنك عني ناضلت ولي فاوضت.
قال ابن عباس: دعني والعبد! فإنه قد كان يهدر خاليا إذ لا يجد مراميا، وقد أتيح له ضيغم شرس للاقران منقرس وللأرواح مختلس!
فقال عمرو بن العاص: دعني يا أمير المؤمنين أنتصف منه، فوالله ما ترك شيئا!
قال ابن عباس: دعه فلا يبقي المبقي إلا على نفسه، فوالله إن قلبي لشديد وإن جوابي لعتيد، وبالله الثقة، فإني كما قال نابغة بني ذبيان:
وقبلك ما قذعت وقاذعوني * فما نزر الكلام ولا شجاني