ألا يا قومنا ارتحلوا وسيروا * فلو ترك القطا لغفا وناما فقال ابن الزبير: يا صاحب القطا، أقبل علي، فما كنت لتدعني حتى أقول: وأيم الله، لقد عرف الأقوام: أني سابق غير مسبوق، وابن حواري وصديق متبجج في الشرف الأنيق خير من طليق!
فقال ابن عباس: دسعت بجرتك فلم تبق شيئا! هذا الكلام مردود من امرئ حسود، فإن كنت سابقا فإلى من سبقت؟ وإن كنت فاخرا فبمن فخرت؟
فإن كنت أدركت هذا الفخر بأسرتك، دون أسرتنا فالفخر لك علينا، وإن كنت إنما أدركت بأسرتنا فالفخر لنا عليك، والكثكث في فمك ويديك. وأما ما ذكرت من الطليق، فوالله لقد ابتلي فصبر وأنعم عليه فشكر، وإن كان والله لوفيا كريما غير ناقض بيعة بد توكيدها ولا مسلم كتيبة بعد التأمر عليها.
فقال ابن الزبير: أتعير الزبير بالجبن؟ والله إنك لتعلم منه خلاف ذلك.
قال ابن عباس: والله إني لا أعلم إلا أنه فر وما كر، وحارب فما صبر، وبايع فما تمم، وقطع الرحم، وأنكر الفضل، ورام ما ليس له بأهل.
وأدرك منها بعض ما كان يرتجى * وقصر عن جري الكرام وبلدا وما كان إلا كالهجين أمامه * عناق فجاراه العناق فأجهدا فقال ابن الزبير: لم يبق يا بني هاشم غير المشاتمة والمضاربة!.
فقال عبد الله بن الحصين بن الحارث: أقمناه عنك يا ابن الزبير وتأبى إلا منازعته، والله لو نازعته من ساعتك إلى انقضاء عمرك ما كنت إلا كالسغب الظمآن يفتح فاه يستزيد من الريح، فلا يشبع من سغب ولا يروي من عطش، فقل إن شئت أو فدع. وانصرف القوم (1).