بذلك؟ وعنه أخذته؟ قال قيس: سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي، وأعظم حقا من أبي. قال: من؟ قال: علي بن أبي طالب عليه السلام عالم هذه الأمة وصديقها كل هذه آية محكمة تدل على إطلاعه الغزيز في المعالم الدينية، وبرهنة واضحة تثبت طول باعه في العلوم الإلهية، ومثل قيس إذا كان أخذه وسماعه وروايته عن مثل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ينحسر البيان عن استكناه فضله، ويقصر التعريف عن درك مداه.
ومن شواهد غزارة علمه إسلامه الراسخ، وإيمانه المستقر، وعرفانه بأولياء الأمر بعد نبيه، وتهالكه في ولائهم، وتفانيه في نصرتهم إلى آخر نفس لفظه، وعدم اكتراثه لومة أي لائم، وكان هناك قوم حناق عليه من أهل النفاق وحملة الحقد والضغينة يعيرونه بولاء العترة الطاهرة، وعدم إيثاره على دينه عوامل النهمة، وعدم تأثره ببواعث الفخفخة أو دواعي الجشع، وعدم انتظاره منهم في دولتهم لرتبة ولا راتب، وعدم إرادته منهم على ولائه جزاءا عاجلا ولا شكورا، ويشف عن ذلك ما وقع بينه وبين حسان بن ثابت لما عزله أمير المؤمنين عن ولاية مصر ورجع إلى المدينة فإنه حينما قدمها جاءه حسان شامتا به وكان عثمانيا فقال له: نزعك علي بن أبي طالب، وقد قتلت عثمان فبقي عليك الإثم، ولم يحسن لك الشكر. فزجره قيس وقال: يا أعمى القلب وأعمى البصر؟ والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربا لضربت عنقك، ثم أخرجه من عنده (1) ولولا أن قيسا مستودع العلوم والمعارف، ومستقى معالم الدين، ومعقد جمان الفضيلة، كما كانت له الشهرة الطايلة في الدهاء والحزم، لما ولاه أمير المؤمنين عليه السلام مصر لإدارة شؤونها الدينية، والمدينة، كما فوض إليه إقامة أمورها السياسية والإدارية والعسكرية، ولما كتب إليه بما مر ص 71 من كلامه عليه السلام: وعلم من قبلك مما علمك الله. فإن عامل الخليفة هو مرجع تلكم الشؤون كلها في الوسط الذي استعمل به، وموئل أمته في كل مشكلة دينية: كما أن له إمامة الجمعة و الجماعة، وما كان للخليفة من منتدح عن استعمال من له الكفاية لذلك كله.