عن حطام الدنيا، معربا عن ورعه عن محارم الله وخشونته في ذات ربه، وتعظيمه شعائر الدين، وقيامه بحق النبي الأعظم، ورعايته في أهل بيته وذويه بكل حول وطول، وبذل النفس والنفيس دون كلائة دينه وإعلاء كلمة الحق، وإرحاض معرة الباطل، وإصلاح الفاسد، وكسر شوكة المعتدين، وبعد اليأس عن صلاح أمته، والعجز عن الدعوة إلى الحق، لزم عقر داره بالمدينة المشرفة بقية حياته، وأقبل على العبادة حتى أدركه أجله المحتوم كما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب 2 ص 524.
وأوفى كلمة في زهده وعبادته ما قاله المسعودي في مروج الذهب 2 ص 63 قال:
كان قيس بن سعد من الزهد والديانة والميل إلى علي بالموضع العظيم، وبلغ من خوفه لله وطاعته إياه أنه كان يصلي فلما أهوى للسجود إذا في موضع سجوده ثعبان عظيم مطرق، فمال على الثعبان برأسه وسجد إلى جانبه، فتطوق الثعبان برقبته، فلم يقصر من صلاته، ولا نقص منها شيئا حتى فرغ ثم أخذ الثعبان فرمى به. كذلك ذكر الحسن ابن علي بن عبد المغيرة عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن (الإمام) علي بن موسى الرضا عليه السلام. ا ه. والحديث الرضوي هذا رواه الكشي بإسناده عنه عليه السلام في رجاله ص 63.
وكان ذلك الخشوع والاقبال إلى الله في العبادة، وإفراغ القلب بكله إلى الصلاة من وصايا والده الطاهر له قال: يا بني؟ أوصيك بوصية فاحفظها فإذا أنت ضيعتها فأنت لغيرها من الأمر أضيع، إذا توضأت فأتم الوضوء، ثم صل صلاة امرء مودع يرى أنه لا يعود، وأظهر اليأس من الناس فإنه غنى، وإياك وطلب الحوائج إليهم فإنه فقر حاضر، وإياك وكل شئ تعتذر منه (تاريخ ابن عساكر 6 ص 90).
وكان من دعاء سيدنا المترجم كما في " الدرجات الرفيعة " " وتاريخ الخطيب " وغيرهما قوله: اللهم؟ ارزقني حمدا ومجدا، فإنه لا حمد إلا بفعال، ولا مجد إلا بمال اللهم؟ وسع علي، فإن القليل لا يسعني ولا أسعه. وفي البداية والنهاية 8 ص 100.
كان قيس يقول اللهم؟ ارزقني مالا وفعالا، فإنه لا تصلح الفعال إلا بالمال.
ومعلوم أن طلب المال غير مناف للزهادة فإن حقيقة الزهد أن لا يملكك المال لا أن لا تملك المال.