ذلك السجل اشترط قيس له ولشيعة علي أمير المؤمنين عليه السلام الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال، ولم يسأل في سجله ذلك مالا، وأعطاه معاوية ما سأل و دخل قيس ومن معه في طاعته. (2) قال أبو الفرج فأرسل معاوية إليه يدعوه إلى البيعة، فلما أرادوا إدخاله إليه قال : إني حلفت أن ألقاه إلا بيني وبينه الرمح أو السيف. فأمر معاوية برمح وسيف فوضعا بينهما ليبر يمينه، فلما دخل قيس ليبايع وقد بايع الحسن عليه السلام فأقبل على الحسن عليه السلام فقال: أفي حل أنا من بيعتك؟ فقال: نعم. فألقي له كرسي وجلس معاوية على سرير والحسن معه فقال له معاوية: أتبايع يا قيس؟ قال: نعم. ووضع يده على فخذه ولم يمدها إلى معاوية، فجاء معاوية من سريره وأكب على قيس حتى مسح يده وما رفع إليه قيس يده (1).
قال اليعقوبي في تاريخه 2 ص 192: بويع معاوية بالكوفة في ذي القعدة سنة 40 و أحضر الناس لبيعته، وكان الرجل يحضر فيقول: والله يا معاوية؟ إني لا بايعك وإني لكاره لك. فيقول: بايع فإن الله قد جعل في المكروه خيرا كثيرا، ويأتي الآخر فيقول:
أعوذ بالله من نفسك. وأتاه قيس بن سعد بن عبادة، فقال: بايع قيس. قال: إني كنت لأكره مثل هذ اليوم يا معاوية؟ فقال له: مه رحمك الله. فقال: لقد حرصت أن أفرق بين روحك وجسدك قبل ذلك فأبى الله يا بن أبي سفيان إلا ما أحب. قال: فلا يرد أمر الله.
قال: فأقبل قيس على الناس بوجهه فقال:
يا معشر الناس؟ لقد اعتضتم الشر من الخير، واستبدلتم الذل من العز، و الكفر من الإيمان، فأصبحتم بعد ولاية أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وابن عم رسول رب العالمين، وقد وليكم الطليق ابن الطليق، يسومكم الخسف، ويسير فيكم بالعسف، فكيف تجهل ذلك أنفسكم؟ أم طبع الله على قلوبكم وأنتم لا تعقلون؟.
فجثا معاوية على ركبته ثم أخذ بيده وقال: أقسمت عليك ثم صفق على كفه ونادى الناس: بايع قيس. فقال: كذبتم والله ما بايعت. ولم يبايع لمعاوية أحد إلا أخذ عليه الإيمان، فكان أول من استحلف على بيعته.