فخذ قيس بن سعد وعمرو بن العاص مثالا من الفريقين وقس بينهما، وضع يدك على أي مأثرة تحاوله من طهارة مولد، وإسلام، وعقل، وحزم، وعفة، وحناء، وشمم، وإباء، ومنعة، وبذخ، وصدق، ووفاء، ووقار، ورزانة، ومجد، ونجدة، و شجاعة، وكرم، وقداسة، وزهد، وسداد، ورشد، وعدل، وثبات في الدين، وورع عن محارم الله، إلى مآثر أخرى لا تحصى، تجد الأول منهما حامل عب كل منها بحيث لو تجسم أي من تلكم الصفات ليكون هو مثاله وصورته. وهل ترى الثاني كذلك؟ اللهم؟
لا. بل كل منها في ذاته محكوم بالسلب، أضف إلى مخاز في المولد والمحتد والدين والفروسية والأخلاق والنفسيات كلها، وسنلمسك كل هذه بيديك عن قريب إنشاء الله تعالى.
عندئذ يعرف المنقب نفسية كل من إمامي الحزبين (إذ الناس على دين ملوكهم) ويكون على بصرة من أمرهما، وحقيقة دعوة أي منهما، وتكون أمثلتهما نصب عينيه، إن لم يتبع الهوى، ولا تضله تعمية من يروقه جهل الأمة الإسلامية بالحقايق بقوله في مقاتلي أمير المؤمنين والخارجين عليه: إنهم كانوا مجتهدين مخطئين ولهم أجر واحد، أو بقوله: الصحابة كلهم عدول. وإن فعل أحدهم ما فعل وجنت يداه ما جنت، وخرج عن طاعة الإمام العادل، وسن لعنه وسبه وحاربه وقاتله وقتله.
فالناظر إلى هذه التراجم بعين النصفة إذا أمعن فيها بما فيها من المغازي المذكورة يعتقد بأن (1) أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى فأقام سنة معلومة وأمات بدعة مجهولة وإن السنن لنيرة لها أعلام، وإن البدع لظاهرة لها أعلام، وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وأضل به، فأمات سنة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة، وصدق بقول النبي الطاهر: يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في نار جهنم، فيدور فيها كما تدور الرحى، ثم يرتبط في قعرها.
لعل الباحث لا يمر على شئ من خطب سيد الخزرج وكتبه وكلمه ومحاضراته إلا ويجده طافحا بقداسة جانبه عن كل ما يلوث ويدنس من اتباع الهوى، وبزهادته