عن ابن عباس وغيره، وقيل: اليحموم: جبل في جهنم يستغيث أهل النار إلى ظله، ثم نعت ذلك الظل فقال: " لا بارد ولا كريم " أي لا بارد المنزل، ولا كريم المنظر، وقيل: لا بارد يستراح إليه لأنه دخان جهنم، ولا كريم فيشتهى مثله، وقيل: ولا كريم أي لا منفعة فيه بوجه من الوجوه، والعرب إذا أرادت نفي صفة الحمد عن الشئ نفت عنه الكرم، وقال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعا لكل شئ نفت عنه وصفا تنوى به الذم، تقول: ما هو بسمين ولا كريم، وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة.
ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي أوجبت لهم هذا فقال: " إنهم كانوا قبل ذلك مترفين " أي كانوا في الدنيا متنعمين، عن ابن عباس " وكانوا يصرون على الحنث العظيم " أي الذنب العظيم، والاصرار أن يقيم عليه فلا يقلع عنه، وقيل: الحنث العظيم: الشرك، وقيل: كانوا يحلفون لا يبعث الله من يموت، وأن الأصنام أنداد الله.
قوله: " فشاربون شرب الهيم " أي كشرب الهيم، وهي الإبل التي أصابها الهيام وهو شدة العطش، فلا تزال تشرب الماء حتى تموت، وقيل: هي الأرض الرملة التي لا تروي بالماء " هذا نزلهم يوم الدين " النزل: الامر الذي ينزل عليه صاحبه، والمعنى:
هذا طعامهم وشرابهم يوم الجزاء في جهنم.
وفي قوله تعالى: " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " أي قوا أنفسكم النار بالصبر على طاعة الله وعن معصيته، وعن اتباع الشهوات، وأهليكم بدعائهم إلى طاعة الله، و تعليمهم الفرائض، ونهيهم عن القبائح، وحثهم على أفعال الخير " عليها ملائكة غلاظ شداد " أي غلاظ القلوب لا يرحمون أهل النار، أقوياء، يعني الزبانية التسعة عشر و أعوانها " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " في هذا دلالة على أن الملائكة الموكلين بالنار معصومون عن القبائح لا يخالفون الله في أوامره ونواهيه. ثم حكى سبحانه ما يقال للكفار يوم القيامة فقال: " يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم " وذلك أنهم إذا عذبوا يأخذون في الاعتذار فلا يلتفت إلى معاذيرهم ويقال لهم: لا تعتذروا فهذا جزاء فعلكم.
وفي قوله: " وأعتدنا لهم " أي للشياطين " عذاب السعير " عذاب النار المسعرة