والهوان، وهو خبر كان، وفاعل عظم ضمير الأخ، وضمير «به» عائد إلى الموصول، والباء للسببية (كان خارجا من سلطان بطنه) أي لم يكن لبطنه سلطنة وغلبة حيث أمات قوته الشهوية. وذكر لهذا علامتين فقال:
(فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد) أي فلا يشتهي ما لا يجد من نعم الدنيا ولا يشتاق إليها ولا يكثر إذا وجد شيئا منها وذلك لأنه ترك الدنيا لهوانها، والدرجة العليا والغاية القصوى من ترك الدنيا قطع المألوفات وترك المستحسنات وعدم صرف الهمة إلى تحصيل ما لم يجد من المشتهيات وإكثار ما وجد من الزهرات.
(كان خارجا من سلطان فرجه) أي لم يكن فرجه عليه سلطنة أصلا أو فيما لا يجوز استعماله فيه. وذكر لهذا أيضا علامتين فقال:
(فلا يستخف له عقله ولا رأيه) استخفه خلاف استثقله، ومعناه طلب منه الخفة يعني فلا يطلب لأجل فرجه وقضاء شهوته الخفة من عقله ورأيه أو تدبيره في إطاعتهما له. والحاصل أنه لا يجعل عقله ورأيه خفيفين سريعين مطيعين له في قضاء حوائج الفرج بل عقله رزين ورأيه متين لا يحركهما عواصف اللذات، وإرجاع الضمير في له إلى الأخ، ورفع عقله وما عطف عليه بعيد (وكان خارجا من سلطان الجهالة) لكونه كاملا في القوة العقلية فلا سلطنة للجهل عليه وذكر لهذا علامة فقال:
(فلا يمد يده إلا على ثقة لمنفعة) لأن العاقل العالم الكامل لا يتناول شيئا إلا على ثقة ويقين بكونه منفعة لكونه عارفا بحقائق الأشياء ومباديها ومآلها ومنافعها ومضارها بخلاف الجاهل فإن أكثر ما يتناوله مضر في الدنيا والآخرة.
(وكان لا يتشهى ولا يتسخط ولا يتبرم) أي كان لا يحب الدنيا ولا يرغب فيها ولا يتسخط بنصيبه منها وإن قل، أو لا يستقله من تسخط عطاءه إذا استقله أو لا يغضب لأجلها ولا يضجر ولا يغتم بفواتها (كان أكثر دهره صماتا) أي كثير السكوت إلا عن الخير، والمراد بالدهر هنا مدة العمر (فإذا قال بذ القائلين) أي فإذا تكلم بالحق غلب على القائلين وسبقهم لكمال عقله وكثرة علمه وصيرورة المعارف ملكة في جوهر نفسه.
(كان لا يدخل في مراء ولا يشارك في دعوى ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا) في المصباح:
ماريته أماريه مماراة ومراء: جادلته، ويقال ماريته أيضا إذا طعنت في قوله تزييفا للقول وتصغيرا للقائل. ولا يكون المراء إلا اعتراضا بخلاف الجدال فإنه يكون ابتداء واعتراضا، وأدلى بحجته:
احتج بها وأثبتها فوصل بها إلى دعواه. يعنى كان لا يتعرض للمجادل وتزييف قوله ولا يتصدى