شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٩ - الصفحة ٢٣٣
باب ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك والشيطان 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من قلب إلا وله اذنان، على إحداهما ملك مرشد وعلى الأخرى شيطان مفتن، هذا يأمره وهذا يزجره، الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها، وهو قول الله عز وجل: (عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
* الشرح:
قوله (ما من قلب إلا وله أذنان على إحديهما ملك مرشد وعلى الأخرى شيطان مفتن) الظاهر أن المراد بالقلب النفس الناطقة وهي جوهر روحاني متوسط بين العالمين عالم روحاني صرف وعالم جسماني يفعل فيما دونه وينفعل عما فوقه، وإثبات الإذن له من باب الاستعارة والتشبيه في إدراك الأقوال وهو بمثابة مرآة تجتاز عليه أصناف الصور المختلفة أما من طرق الحواس الظاهرة والباطنة أو من العالم الروحاني (1) فهو دائما محل للحوادث الإدراكية وموضوع للأحوال النفسانية

1 - قوله «أو من العالم الروحاني» هذا ظاهر مشهود في النفوس الانسانية إذ ليست إدراكاتها منحصرة فيما يأتي إليها من الحواس الظاهرة والباطنة بل لها إدراكات يأتي إليها من عالم آخر غير العالم المشهود، وبالجملة النفس برزخ بين عالمي الغيب والشهادة فيدرك الإنسان عالم الشهادة وهو عالم الأجسام بأعضائه الجسمانية ويدرك عالم الغيب بقوة غير جسمانية، ولو كان إدراكه بالحس فقط لكانت معلوماته قليلة جدا فاعتبر ذلك بحال الصبي الرضيع والرجل البالغ المحنك كلاهما مشتركان في الحس، فالصبي يرى الألوان والأضواء ويرى أمه ومن حوله ويسمع الصوت نداء كما يرى ويسمع البالغ، وكلما يدرك البالغ زائدا على الرضيع فإنما يدركه بغير حسه مثل أن الصورة في المرآة لا حقيقة لها وأن اللون ليس موجودا جوهريا قائما بنفسه بل هو في جسم حامل له وأن الكواكب والأجسام البعيدة أعظم مما يرى منها وغير ذلك، فكل المعلومات والمعقولات الحاصلة له مدركات بغير حسه. ملاك الفرق والامتياز بين الحس وغير الحس أن كل قوة تزيد وتنقص وتشتد وتضعف بضعف مزاج بعض أعضاء البدن وقوته فهي حسية وكل قوة لا تتغير لتغير العضو فهي غير جسمانية مثال الأول الإبصار فإن ضعفه تابع لضعف العين وقوته تابعة لقوتها، والسمع فإنه تابع للأذن كذلك، ومثال الثاني التعقل فإنه لا يضعف بضعف أي عضو في البدن فالمهندس في زمان شيخوخته يتعقل المثلث كما كان يتعقل في شبابه وليس معنى المثلث أخفى عند عقله بخلاف الإبصار فإن الخطوط والنقوش عند بصره في الشيخوخة أخفى عنده منها في أيام شبابه بل التعقل بعكس الإبصار يشتد عند ضعف البدن وبالجملة إدراك الإنسان تلك المعقولات الكثيرة التي تزيد على محسوساته أضعافا مضاعفة (بل نسبة المحسوسات إليها أقل من نسبة الواحد إلى آلاف آلاف كنسبة معلومات الرضيع إلى معلومات أعاظم الحكماء) ليس إدراك هذه المعلومات الكثيرة بالحس من عالم الشهادة بل بالعقل من عالم الغيب والحس معد لصاحب العقل لا لفاقده كالرضيع، ولا ريب أن الأعدام لا تمايز بينها فلو لم يكن قوة مسماة بالعقل موجودة في الإنسان الحكيم لم يكن تمايز بينه وبين الرضيع إذ كلاهما واجدان للحس وعادمان للعقل إن فرض عدم قوة مسماة بالعاقلة.
ويمكنك أن تجري كلامنا في القوى الباطنة أيضا مثلا الواهمة معنى واحد يعرض للحيوان وقتا ما ويزول من غير أن يكسب منه علما، فالرضيع يحزن لفقد أمه ويسر بحضورها، وهذا الحزن أو السرور حالة واحدة تعرض له في وقت واحد ثم يزول، وخيال المرئي مثلا كذلك لا يوجب كسب علم بل هو جزئي يوجد وقتا ما وحافظة لما أدركه جزئيا مثله، بل نقول ذلك في الفكر أيضا فإنه حالة جسمانية غير العقل عارضة للدماغ لو لم يكن قوة مسماة بالعاقلة مستعملة إياه لم يتحرك لتتبع المعقولات وتركيبها وتفصيلها بل كان يقتصر على تركيب المحسوسات فقط. وبالجملة فهذه القوة العاقلة باب مفتوح على الإنسان من العالم الروحاني به يطلع على عالم الغيب إن لم يدنسها بالاقتصار على الكليات المتعلقة بالموجودات الدنيوية ولم يشتغل بالتفكر في الدنيا عن الآخرة وإلا فهو بمنزلة طائر يطير عن المزبلة ثم يهبط إليها.
ثم اعلم وتفطن أنا نتمسك لإثبات تجرد العاقلة بعدم حصول الضعف لا بكثرة المعقولات في الشيخوخة فإن ضعف البصر يدل على جسمانيته وإن كثر به المبصرات كما يأتي قريبا إن شاء الله. (ش).
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الاستغناء عن الناس 3
2 باب صلة الرحم 6
3 باب البر بالوالدين 19
4 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم 29
5 باب اجلال الكبير 31
6 باب إخوة المؤمنين بعضهم لبعض 33
7 باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان وينقضه 38
8 باب في ان التواخي لم يقع على الدين وانما هو التعارف 39
9 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه 40
10 باب التراحم والتعاطف 51
11 باب زيارة الاخوان 52
12 باب المصافحة 57
13 باب المعانقة 63
14 باب التقبيل 65
15 باب تذاكر الاخوان 67
16 باب ادخال السرور على المؤمنين 71
17 باب قضاء حاجة المؤمن 77
18 باب السعي في حاجة المؤمن 82
19 باب تفريج كرب المؤمن 87
20 باب اطعام المؤمن 89
21 باب من كسا مؤمنا 95
22 باب في إلطاف المؤمن وإكرامه 97
23 باب في خدمته 101
24 باب نصيحة المؤمن 101
25 باب الإصلاح بين الناس 103
26 باب في أحياء المؤمن 105
27 باب في الدعاء للأهل إلى الايمان 107
28 باب في ترك دعاء الناس 108
29 باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبه 114
30 باب سلامة الدين 115
31 باب التقية 118
32 باب الكتمان 127
33 باب المؤمن وعلاماته وصفاته 137
34 باب في قلة المؤمن 184
35 باب الرضا بموهبة الايمان والصبر على كل شيء بعده 189
36 باب في سكون المؤمن إلى المؤمن 196
37 باب فيما يدفع الله بالمؤمن 197
38 باب في ان المؤمن صنفان 198
39 باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلي به 201
40 باب شدة ابتلاء المؤمن 206
41 باب فضل فقراء المسلمين 221
42 باب 231
43 باب ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك والشيطان 233
44 باب الروح الذي أيد به المؤمن 239
45 باب الذنوب 241
46 باب استصغار الذنب 279
47 باب الإصرار على الذنب 281
48 باب في أصول الكفر وأركانه 283
49 باب الرياء 291
50 باب طلب الرئاسة 300
51 باب اختتال الدنيا بالدين 304
52 باب من وصف عدلا وعمل بغيره 305
53 باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال 306
54 باب الغضب 310
55 باب الحسد 316
56 باب العصبية 321
57 باب الكبر 323
58 باب العجب 332
59 باب حب الدنيا والحرص عليها 337
60 باب الطمع 352
61 باب الخرق 353
62 باب سوء الخلق 354
63 باب السفه 356
64 باب البذاء 358
65 باب من يتقى شره 365
66 باب البغي 367
67 باب الفخر والكبر 369
68 باب القسوة 375
69 باب الظلم 379
70 باب اتباع الهوى 388
71 باب المكر والغدر والخديعة 393
72 باب الكذب 397
73 باب ذي اللسانين 409
74 باب الهجرة 411
75 باب قطعية الرحم 414
76 باب العقوق 418
77 باب الانتفاء 421
78 باب من آذى المسلمين واحتقرهم 421
79 فهرس الآيات 430