باب من يتقى شره 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) بينا هو ذات يوم عند عائشة إذ استأذن عليه رجل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بئس أخو العشيرة، فقامت عائشة فدخلت البيت وأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) للرجل، فلما دخل أقبل عليه بوجهه وبشره يحدثه حتى إذا فرغ وخرج من عنده قالت عائشة: يا رسول الله بينا أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته به إذ أقبلت عليه بوجهك وبشرك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند ذلك: إن من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه.
* الشرح:
قوله (بينا هو ذات يوم) «بين» ظرف مبهم لا يبين معناه إلا بإضافته إلى شيئين فصاعدا، وألفه للاشباع، وعامله الفعل الواقع بعد إذ المفاجأة، وذات الشيء: نفسه، أي استأذن عليه رجل بين ساعات يوم من الأيام هو عند عائشة.
(فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بئس أخو العشيرة) أي هو، والمراد بالعشيرة القبيلة، والعرب تقول أخو العشيرة وتعني قومه ونظير هذا الحديث رواه مخالفونا عن عروة بن الزبير قال «حدثتني عائشة أن رجلا استأذن على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة، فلما دخل عليه ألان له القول. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول؟ قال: يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه اتقاء فحشه» قال عياض: قوله «لبئس» ذم في الغيبة، والرجل هو عيينة بن حصين الفزاري ولم يكن أسلم حينئذ، ففيه أنه لا غيبة في فاسق ومبتدع وإن كان قد أسلم فيكون (عليه السلام) أراد أن يبين حاله، وفي ذلك الذم يعني «لبئس» علم من أعلام النبوة فإنه ارتد وجئ به إلى أبي بكر وله مع عمر خبر، وفيه أيضا: أن المداراة مع الفسقة الكفرة مباحة وتستحب في بعض الأحوال بخلاف المداهنة المحرمة.
والفرق بينهما أن المداراة بذل الدنيا، لصلاح الدين أو الدنيا والمداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا، والنبي (صلى الله عليه وآله) بذل له من دنياه حسن العشرة وطلاقة الوجه ولم يرد أنه مدحه حتى يكون ذلك خلاف قوله لعائشة، ولا من ذي الوجهين، وهو (عليه السلام) منزه عن ذلك وحديثه هذا أصل في جواز المداراة وغيبة أهل الفسق والبدع، وقال القرطبي: قيل أسلم هو قبل الفتح، وقيل بعده ولكن الحديث دل على أنه شر الناس منزلة عند الله تعالى ولا يكون كذلك حتى يختم له بالكفر والله