(وعفى نفسه بالصيام والقيام) أي جعلها صافية خالصة أو جعلها مندرسة ضعيفة ذليلة لأن الصيام والقيام بوظائف الطاعات يكسران شهوة النفس، وفي بعض النسخ عنا نفسه بالعين المهملة والنون المشددة أي أتعب، والعناء بالفتح والمد: التعب.
(قالوا بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله هؤلاء أولياء الله) أي نفديك بآبائنا وأمهاتنا فالباء للتفدية بحذف الفعل وهي في الحقيقة باء العوض نحو خذ هذا بهذا، وقولهم هؤلاء أولياء الله استفهام.
ويحتمل أن يكون خبرا قصد به لازم الحكم وهو علمهم بذلك.
(قال: إن أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا) لاشتغال قلوبهم الطاهرة بذكر الله تعالى وذكر علمه وقدرته وحكمته بملاحظة آثاره الغريبة وأفعاله العجيبة وحمل الذكر على السكوت للمبالغة في السببية والاشعار بكونه لازما غير منفك وكذا في القرائن الآتية وهذا إما رد لقولهم: هؤلاء أولياء الله، يعني أولياء الله صنف آخر صفاتهم فوق الصفات الثلاثة المذكورة أو تصديق له، ووصف للأولياء بصفات أخرى زيادة على الصفات المذكورة، وأمر التأكيد على الأول ظاهر لكون المخاطب مترددا أو حاكما بخلافه، وأما على الثاني مع أن المخاطب قائل بالحكم مصدق له فلصدوره عنه (صلى الله عليه وآله) عن كمال الرغبة ووفور النشاط لأنه في وصف أولياء الله بأعظم الصفات فكان مظنة التأكيد، كما ذكره الشيخ في الأربعين وصاحب الكشاف عند قوله تعالى (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون).
(ونظروا فكان نظرهم عبرة) نظروا إلى الأشياء كلها وعبروا من أخسها إلى أحسنها، مثلا نظروا إلى الدنيا والآخرة فرأوا بعين البصيرة أن الدنيا دار الغرور، والآخرة دار القرار فطلبوا الآخرة واشتغلوا بإصلاحها وتركوا الدنيا بأسرها ونظروا إلى أحوال الصالحين وأحوال الفاسقين، وعرفوا التفاوت بينهما فطلبوا الأسوة بالصالحين.
(ونطقوا فكان نطقهم حكمة) وهي ما ينفع في الآخرة من العلوم والمعارف والعقائد الصحيحة والأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة، وهداية الخلق إليها وحثهم عليها، وذلك لكمال اعتدالهم في القوة العقلية.
(ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة) لأن قصدهم رفع الحوائج عن الناس وطلب المنافع لهم ودفع المضار عنهم مع أن وجودهم سبب لسعة أرزاقهم ورفع البلاء عنهم.
(لولا الآجال التي قد كتبت عليهم لم تقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب وشوقا إلى الثواب) أراد أن غلبة الشوق إلى ثواب الله والخوف من عقابه على نفوسهم القدسية إلى غاية أن أرواحهم لا تستقر في أجسادهم من ذلك، لولا الآجال التي قد كتبت عليهم، وهذا الخوف والشوق