لقبوله لابد له من رفع الموانع وأعظمها صحبة الناس، الذين طبايعهم معوجة وقلوبهم منكوسة، وعقولهم ضعيفة، وشهواتهم قوية، ورفع هذا المانع لا يمكن إلا بالفرار من ديارهم، ورفض الميل إلى أطوارهم.
(إن شهدوا لم يعرفوا) لعدم شهرتهم وخمول ذكرهم بين الناس.
(وإن غابوا لم يفتقدوا) أي لم يطلبوا لاستنكاف الناس من صحبتهم وعدم اعتنائهم بشأنهم وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «إن الله يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا».
(ومن الموت لا يجزعون) لأن أولياء الله يحبون الموت ويتمنونه لرفع الحجاب والتخلص من ألم الفراق فكيف يجزعون منه.
(وفي القبور يتزاورون) أي يزور بعضهم بعضا في البرزخ إلى يوم يبعثون وهم أحياء مرزوقون، أو يزور أحياؤهم أمواتهم في المقابر، والأموات لا يؤذون الزائر ولا يغتابون الغائب ويعظون الحاضر بلسان الحال بل بلسان المقال.
(وإن لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموه) لنزاهة نفوسهم وطهارة قلوبهم ورفق صدورهم وإحاطة علمهم بأن قضاء حوائج المضطر الملتجئ من صفات الكرام، ورده مع الاقتدار من سمات اللئام (لن تختلف قلوبهم وإن اختلفت بهم الديار) أي قلوبهم متوافقة غير مختلفة وإن كانت ديارهم مختلفة متباعدة لأن مقصدهم واحد وطريقتهم واحدة بخلاف غيرهم فإن قلوبهم مختلفة لأنهم تابعون للنفس الأمارة بالسوء وأهوائها وطرقها مختلفة أو قلب كل واحد غير مختلف ولا متغير من حال إلى حال وإن اختلفت دياره ومنازله، لأنسه بالله وعدم تعلقه بغيره فلا يستوحش بالوحدة والغربة واختلاف الديار، لأن مقصوده وأنيسه واحد حاضر معه في الديار كلها بخلاف غيره لأن قلبه لما كان متعلقا بغيره تعالى يأنس به إذا وجده ويستوحش إذا فقده. هذا من باب الاحتمال والله يعلم.
28 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته وكملت مروءته وظهر عدله ووجبت اخوته.