(جيد التدبير لمعيشته) المعيشة مكسب الإنسان الذي يعيش به وذلك باختياره طريقا مشروعا غير مذموم عقلا وشرعا وعرفا مقتصرا على قدر الكفاف.
(لا يلسع من جحر مرتين) اللسع «گزيدن مار وكژدم». والجحر بتقديم الجيم المضمومة على الحاء المهملة: الساكنة ثقبة الحية أو اليربوع أو الضب وهو استعارة هاهنا أي لا يخدع المؤمن من جهة واحدة مرتين فإنه بالأولى يعتبر.
ومثله رواه مسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال الخطابي يروي بضم العين وسكونها فالضم على وجه الخبر ومعناه أن المؤمن هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من جهة الغفلة فيخدع مرة بعد مرة وهو لا يفطن لذلك ولا يشعر به، والمراد به الخداع في أمر الدين لا أمر الدنيا، وأما الكسر فعلى وجه النهي أي لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو لا يشعر به، وليكن فطنا حذرا وهذا التأويل يصلح أن يكون لأمر الدين والدنيا معا، وذكر عياض هذين الوجهين ورجح الخبر بأن سبب قوله (صلى الله عليه وآله) هذا أن أبا قرة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان أسر يوم بدر فسأل النبي (صلى الله عليه وآله) أن يمن عليه ففعل وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه فلما لحق بأهله عاد إلى ما كان عليه ثم أنه أسر يوم أحد فسأله أيضا أن يمن عليه فقال (صلى الله عليه وآله) هذا الكلام البليغ الجامع الذي لم يسبق إليه وفيه تنبيه عظيم على أنه إذا رأى الأذى من جهة لا يعود إليها ثانية.
وقال الآبي: رجح الخطابي النهي بعد ذكر الوجهين وكأنه لم يبلغه - أي الخطابي - سبب قوله (صلى الله عليه وآله) هذا الكلام ولو بلغه لم يحمله على النهى، وأجاب الطيبي بأنه وإن بلغه السبب فلا يبعد النهي بل هو أولى من الخبر وذلك أنه لما دعته نفسه (صلى الله عليه وآله) الزكية الكريمة إلى الحلم والصلح جرد من نفسه مؤمنا حازما فطنا ونهاه أن ينخدع لهذا المتمرد الخائن وكان مقام الغضب لله تعالى فأبى إلا الانتقام من أعداء الله لأن الانتقام منهم مطلوب والتجريد أحد ألقاب البديع ومحسناته، وبيان أنه أولى أنه إذا حمل على الخبر تفوت دلالة الحديث على طلبه الانتقام.
39 - علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن سهل بن الحارث، عن الدلهاث مولى الرضا (عليه السلام) قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه، فأما السنة من ربه فكتمان سره، قال الله عز وجل: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول) وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عز وجل أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بمدارة الناس فقال: (خذ العفو وأمر بالعرف) وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء.