عند من يرجو البرء عنده فليس بشكاية بل طلب لعلاجه وهو ممدوح عقلا وشرعا. هذا حال الشكاية عن الوجع حال وجوده. وأما الشكاية عنه بعد الصحة فقيل تجوز لأنها نوع من الشكر. هذا يتم إذا قال مثلا كان بي وجع كذا فمن الله على بالصحة. أما لو قال مثلا كان بي وجع هو لم يكن بأحد فالظاهر أنه شكاية من الله.
(ولا يستشير إلا من يرجو عنده النصيحة) لأنه بنور بصيرته وكمال فطنته يعرف أحوال الناس ويميز بين الناصح والغاش فلا يستشير في أمر من أموره إلا من يعلم أو يظن أنه ينصحه ويرشده إلى مصالحه.
(كان لا يتبرم ولا يتسخط ولا يتشكى) أي من الوجع فلا تكرار، والتشكي «شكوه وگله كردن» (ولا يتشهى ولا ينتقم) تشهى «آرزو كردن». انتقام «كينه كشيدن از كسى»، وفيه إشارة إلى اعتداله في القوة الشهوية والغضبية وجعله إياهما تحت حكم العقل.
(ولا يغفل عن العدو) الداخل والخارج أما الداخل فكإفراط القوتين المذكورتين والأخلاق الذميمية وأهواء النفس الأمارة بالسوء، وأما الخارج فكالشياطين من الجن والإنس وأفعال الجوارح الخارجة عن القوانين الشرعية، وفيه إشارة إلى كماله في القوة العقلية.
27 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن مهزم، وبعض أصحابنا، عن محمد بن علي، عن محمد بن إسحاق الكاهلي، وأبو علي الأشعري، عن الحسين بن علي الكوفي، عن العباس بن عامر، عن ربيع بن محمد، جميعا، عن مهزم الأسدي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا مهزم شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولا شحناؤه يديه ولا يمتدح بنا معلنا ولا يجالس لنا عائبا ولا يخاصم لنا قاليا، إن لقي مؤمنا أكرمه وإن لقي جاهلا هجره. قلت: جعلت فداك فكيف أصنع بهؤلاء المتشيعة؟ قال: فيهم التمييز وفيهم التبديل، وفيهم التمحيص، تأتي عليهم سنون تفنيهم وطاعون يقتلهم واختلاف يبددهم. شيعتنا من لا يهر هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب ولا يسأل عدونا وإن مات جوعا.
قلت: جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء؟ قال: في أطراف الأرض، أولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة ديارهم، إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا، ومن الموت لا يجزعون، وفي القبور يتزاورون، وإن لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموه، لن تختلف قلوبهم وإن اختلف بهم الديار، ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا المدينة وعلي الباب، كذب من زعم أنه يدخل المدينة لا من قبل الباب وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا صلوات الله عليه.
* الشرح: