شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٩ - الصفحة ٢٣٩
باب الروح الذي أيد به المؤمن 1 - الحسين بن محمد، ومحمد بن يحيى، جميعا، عن علي بن محمد بن سعد، عن محمد بن مسلم، عن أبي سلمة، عن محمد بن سعيد بن غزوان، عن ابن أبي نجران، عن محمد بن سنان، عن أبي خديجة قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال لي: إن الله تبارك وتعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه ويتقي وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي، فهي معه تهتز سرورا عند إحسانه وتسيخ في الثرى عند إساءته فتعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقينا وتربحوا نفيسا ثمينا، رحم الله امرأ هم بخير فعمله أوهم بشر فارتدع عنه، ثم قال:
نحن نويد الروح بالطاعة لله والعمل له.
* الشرح:
قوله (إن الله تبارك وتعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه ويتقي) لعل المراد بالروح هنا الملك كما مر، وبالإحسان الإتيان بالطاعات، وبالاتقاء الاجتناب عن المنهيات.
(وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي) أي يتجاوز عن حدود الشريعة ويظلم على نفسه أو على غيره (فهي معه تهتز) أي تتحرك (سرورا عند إحسانه) سروره لمشاهدة طاعة الرب وتعظيمه وصلاح العبد وقربه.
(وتسيخ في الثرى عند إساءته) أي تدخل فيه دخول الرجل في الماء فإذا فرغ عاد وفيه ترغيب في اجتناب الذنوب وتخويف بمفارقة هذه النعمة الجليلة لامكان أن لا تعود أصلا لسد النفس الامارة مسالك عودها بزبر الشهوات.
(فتعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاحكم أنفسكم) بترك الرذائل من الأخلاق والأعمال وتحصيل الفضائل منهما فإنكم إن تعاهدتم بذلك (تزدادوا يقينا) فإن الإنسان بإصلاح النفس ومحاسبتها وتزكيتها كما ينبغي يترقى عن درجة علم اليقين ويبلغ مرتبة حق اليقين التي يشاهد فيها جمال الأسرار اللاهوتية (1) وكمال الأنوار الملكوتية (وتربحوا نفيسا ثمنيا) وهي الجنة ودرجاتها العالية

١ - قوله «يشاهد فيها جمال الأسرار اللاهوتية» اللذة الحاصلة للإنسان بعد موته أعظم وأشد بكثير مما يحصل له في الدنيا من الشهوات فإنها خالية عن الكدورة أولا ومأمونة من الزوال ثانيا ولأنه لا يعقل أن يكون الموجود الدنيوي كالحمار أسعد من الروحانيين وأن يكون الموجود الروحاني محروما من السعادات، ثم يمكنك أن تتأمل في كلامهم هنا وتعرف منه أن الكمال بشدة العقل والإدراك لا بكثرة المعقول وبينهما فرق كما أن قوة الإبصار وكماله ليس بكثرة المبصرات، فرب شيخ ضعيف البصر رأى أمورا كثيرة في بلاد كثيرة طول عمره وشاب حديد البصر لم ير إلا ما حوله في بلده، ويستدل بضعف بصر الشيخ على أن الإبصار جسماني وإن كثر مبصراته، ويستدل في الشيخ على عدم كون عقله جسمانيا بقوة عقله لا بكثرة معقولاته لأن كثرة المعقولات مع ضعف العقل لا يدل على تجرده، وعين اليقين أكمل من علم اليقين من جهة شدة وضوح المعقول لا من جهة كثرته وكذلك حق اليقين بالنسبة إلى عين اليقين، وحصول عين اليقين وحق اليقين للإنسان يدل على كون النفس مجردة إذ لا يحصل هذه الأمور من إدراك الحس البتة. ثم اعلم أن من أهم مبادئ علم الأخلاق إثبات بقاء النفس وبقاء ملكاتها الحسنة أو السيئة معها وقد سبق منا مكررا، وإنما يشتبه على الجاهل قوى النفس الجسمانية بذات النفس إذ يرى الجاهل أن السمع والبصر والذاكرة والمتخيلة تضعف بضعف البدن وتضمحل بانحلال المزاج والموت فيتوهم أن النفس ذاتها أيضا تضمحل ولا يعرف إذ لا يدقق النظر في أن الحس شيء والشعور بالحس شيء آخر والحافظة شيء والتذكر شيء والفكر شيء والتعقل الذي لا يضعف ولا يضمحل بفناء البدن شيء غير ذلك، كلها وكثرة المعقولات شيء وووضح التعقل شيء آخر والاستدلال على تجرد النفس بالأخير. (ش).
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الاستغناء عن الناس 3
2 باب صلة الرحم 6
3 باب البر بالوالدين 19
4 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم 29
5 باب اجلال الكبير 31
6 باب إخوة المؤمنين بعضهم لبعض 33
7 باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان وينقضه 38
8 باب في ان التواخي لم يقع على الدين وانما هو التعارف 39
9 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه 40
10 باب التراحم والتعاطف 51
11 باب زيارة الاخوان 52
12 باب المصافحة 57
13 باب المعانقة 63
14 باب التقبيل 65
15 باب تذاكر الاخوان 67
16 باب ادخال السرور على المؤمنين 71
17 باب قضاء حاجة المؤمن 77
18 باب السعي في حاجة المؤمن 82
19 باب تفريج كرب المؤمن 87
20 باب اطعام المؤمن 89
21 باب من كسا مؤمنا 95
22 باب في إلطاف المؤمن وإكرامه 97
23 باب في خدمته 101
24 باب نصيحة المؤمن 101
25 باب الإصلاح بين الناس 103
26 باب في أحياء المؤمن 105
27 باب في الدعاء للأهل إلى الايمان 107
28 باب في ترك دعاء الناس 108
29 باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبه 114
30 باب سلامة الدين 115
31 باب التقية 118
32 باب الكتمان 127
33 باب المؤمن وعلاماته وصفاته 137
34 باب في قلة المؤمن 184
35 باب الرضا بموهبة الايمان والصبر على كل شيء بعده 189
36 باب في سكون المؤمن إلى المؤمن 196
37 باب فيما يدفع الله بالمؤمن 197
38 باب في ان المؤمن صنفان 198
39 باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلي به 201
40 باب شدة ابتلاء المؤمن 206
41 باب فضل فقراء المسلمين 221
42 باب 231
43 باب ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك والشيطان 233
44 باب الروح الذي أيد به المؤمن 239
45 باب الذنوب 241
46 باب استصغار الذنب 279
47 باب الإصرار على الذنب 281
48 باب في أصول الكفر وأركانه 283
49 باب الرياء 291
50 باب طلب الرئاسة 300
51 باب اختتال الدنيا بالدين 304
52 باب من وصف عدلا وعمل بغيره 305
53 باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال 306
54 باب الغضب 310
55 باب الحسد 316
56 باب العصبية 321
57 باب الكبر 323
58 باب العجب 332
59 باب حب الدنيا والحرص عليها 337
60 باب الطمع 352
61 باب الخرق 353
62 باب سوء الخلق 354
63 باب السفه 356
64 باب البذاء 358
65 باب من يتقى شره 365
66 باب البغي 367
67 باب الفخر والكبر 369
68 باب القسوة 375
69 باب الظلم 379
70 باب اتباع الهوى 388
71 باب المكر والغدر والخديعة 393
72 باب الكذب 397
73 باب ذي اللسانين 409
74 باب الهجرة 411
75 باب قطعية الرحم 414
76 باب العقوق 418
77 باب الانتفاء 421
78 باب من آذى المسلمين واحتقرهم 421
79 فهرس الآيات 430