باب الاستغناء عن الناس 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس.
* الشرح:
قوله (شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس) الشرف علو القدر ورفعته والعز والعزة بالكسر بمعنى وهو القوة في الدين أو الغلبة على الأمثال في اليقين، والعزيز من لا يعادله شيء ولا له نظير، والحمل للمبالغة. وقيام الليل سبب للشرف والرفعة، والاستغناء عن الناس سبب للعزة والمنعة لأن من استغنى عن الناس ظاهرا بترك السؤال، وباطنا بقطع الطمع عنهم صار عزيزا عند الخالق والخلق، ومن سألهم وطمع ما في أيديهم ورفع حاجته إليهم فقد ذل; ولذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «ورضي بالذل من كشف ضره» وذلك لأن من كشف القناع عن وجه ضره وسوء حاله علم أنه يرى بعين الحقارة فقد رضي بالذل وإلا لم يكشفه اختيارا.
2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه وعلي بن محمد القاساني، جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه.
* الشرح:
قوله (إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند الله) الظاهر أن قوله «ولا يكون» عطف إخبار على إنشاء، ويمكن أن يكون الواو للحال، واليأس القنوط، وقد يئس من الشيء ييأس من باب علم، وفيه لغة أخرى يئس ييئس بالكسر فيهما، فهو شاذ، ورجل يؤوس. قال المبرد: ومنهم من يبدل في المستقبل من الياء الثانية ألفا ويقول يائس.
وأشار إلى بيان الشرطية والتنبيه عليه بقوله: (فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه) إذ العبد انقطع عن الخلق إلى الله واتصل به اتصالا روحانيا وقرب منه قربا معنويا، إذا ناداه لباه وإذا سأله أعطاه، بل صارت إرادته كإرادته وقدرته كقدرته، كما دل عليه بعض الروايات.
3 - وبهذا الإسناد، عن المنقري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال: رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس ومن لم يرج الناس في شيء ورد أمره إلى الله عز وجل في جميع اموره استجاب الله عز وجل له في كل