أيضا يغلب شهوته ويمنعه من متابعتها، ووده للخلق يغلب حسده عليهم لأن بناء الحسد على البغض والعداوة، وعفوه للمسيء يغلب حقده عليه لأن الحقد متولد من احتقان الغضب فإذا وقع العفو زال الغضب فيزول الحقد، والحاصل أنه ترك الشهوة بالحياء والحسد بالود والحقد بالعفو (لا ينطق بغير صواب) الصواب فضيلة العدل المتعلقة باللسان وهي تقتضي أن يسكت عما ينبغي أن لا يقال، ويقول ما ينبغي أن لا يسكت عنه، ويضع كل قول في موضعه اللائق به فهو في مقام العدل دون الإفراط والتفريط، والصواب أخص من الصدق لجواز أن يصدق الإنسان فيما لا ينبغي من القول.
(ولا يلبس إلا الاقتصاد) أي لباسه التوسط في جميع الأحوال وشعاره الاقتصاد في جميع الأعمال فلا يلبس مثلا ما يلحقه بأهل الخسة والتبذير ولا يأكل ما يدخله في أهل الإسراف والتقتير ويمكن أن يكون المراد باللباس المعنى المعروف.
(مشيه التواضع) لكونه على سكون ووقار دون تبختر واختيال كما هو مشي المتكبرين، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) الآية. ويمكن أن يراد بمشى التواضع المشي للطاعة دون المعصية وقد روي أن الله تعالى فرض على الرجلين أن تنقلهما في طاعته وأن لا تمشي بهما مشية عاص.
(خاضع لربه بطاعته) إشارة إلى أنه راض نفسه بطاعة ربه وعبادته وهي غاية الخضوع والتذليل (راض عنه في كل حالاته) أي في حال الشدة والرخاء، وحال الصحة والنعمة، وحال السقم والبلاء وذاك من علامات المحبة ضرورة أن المحب راض بجميع ما يرد عليه من الحبيب (نيته خالصة، أعماله ليس فيها غش ولا خديعة) خلوص نيته إشارة إلى توجه سره إلى الله تعالى ورفض جميع ما عداه عنه بعد القيام بطاعته الكاسرة للنفس الأمارة، وهو باب عظيم من أبواب الوصول وسبب تام لاستشراق لوامع الأنوار وظهور بروق الأسرار. وعدم الغش في أعماله إشارة إلى مراعاته جميع الأمور المعتبرة فيها، وعدم إخراجه ما هو داخل فيها وعدم إدخاله ما هو خارج عنها، وعدم الخديعة إشارة إلى التوافق بين ظاهره وباطنه، وعدم قصده اظهار العبادة وابطان خلافها كما هو شأن المنافقين المخادعين الذين ليست صلواتهم وساير عباداتهم إلا مكاء وتصدية.
(نظره عبرة، سكوته فكرة، وكلامه حكمة) العبرة «پند گرفتن». والفكرة «بسيار انديشه كردن»، والحكمة تطلق على معان محصولها العلم بالأمور النافعة في الدين والحمل في الجميع للمبالغة في السببية فإن النظر إلى الدنيا ونعيمها وتصرفها وتقلبها على أهلها وإلى أحوال الماضين