وانقطاعهم عما كان في أيديهم وانتقالهم من دار الغرور إلى وحشة القبور واشتغال كل واحد بعمله مثلا سبب للعبرة، والسكوت عما لا يعني سبب للفكرة في الأمور النافعة والأسرار اللامعة من أفق الغيب فإن المفهومات الفاسدة المستفادة من الكلمات الباطلة إذا وردت على القلب تمنعه من الفكر في الحقائق، والكلام سبب لظهور الحكمة وانتشارها في قلوب المستعدين لها، وفيه إشارة إلى أنه ساكت عن اللغو متكلم بالحق وذلك لاستقامة لسانه التابعة لاستقامة قلبه وكماله في القوة العقلية.
(مناصحا متباذلا متواخيا) الظاهر أنه حال عن ضمير نظره، وفيه إشارة إلى سياسته المنزلية والمدنية كما أن في السابق إشارة إلى سياسته البدنية ففيهما إشارة إلى أنه حكيم بجميع أقسام الحكمة العملية.
(ناصح في السر والعلانية) إشارة إلى أنه حكيم يعرف موارد النصح وكيفيته فينصح في السر إن اقتضته المصلحة وينصح في العلانية إن اقتضته الحكمة، ويحتمل أن يراد بالسر القلب وبالعلانية اللسان فيكون إشارة إلى أن نصحه خالص غير مشوب بالخدعة.
(لا يهجر أخاه ولا يغتابه ولا يمكر به) هجر المؤمن واغتيابه بما يكرهه أو يشينه أو يهينه في الأعين، ومكره بإرادة إيصال المكروه إليه من حيث لا يعلم ينشأ من الغيظ والغضب والحسد وميل الطبع إلى قطع رحم الأخوة وشئ من ذلك ليس من صفات المؤمن.
(ولا يأسف على ما فاته ولا يحزن على ما أصابه ولا يرجو مالا يجوز له الرجاء) الأسف محركة:
أشد الحزن، وفعله من باب علم أي لا يحزن على ما فاته من أمور الدنيا أو الأعم ولا على ما أصابه من الفقر ونوائب الدهر وغيرهما مما يثقل على النفس، ولا يرجو ما لا يجوز له رجاؤه إما لعدم كونه لايقا به، أو لعدم إمكان حصوله لأن هده الخصال ليست من صفات أهل الكمال (ولا يفشل في الشدة ولا يبطر في الرخاء) الفشل والفشل بالتسكين والتحريك: الضعف والجبن، وفعله من باب علم أي لا يضعف ولا يجبن على الشدة ولا يضطرب منها. بل يكون شجاعا يقدم عليها ويتقبلها بقبول حسن، ولا يبطر أي لا يطغى ولا يتكبر بالرخاء وكثرة النعمة بل يشكر عليه. فمقامه في الحالين مقام الصبر والشكر. وهذا غاية كمال النفس في السكون والتفويض (يمزج الحلم بالعلم والعقل بالصبر) العقل العلم بالأشياء وصفاتها من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها، أو قوة للإنسان بها يميز بين الحسن والقبيح، أو هيئة محمودة له في حركاته وكلامه، والحق أنه روحاني تدرك بها النفس العلوم الضرورية والنظرية وابتداء وجوده عند اجتنان الولد ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ. والمقصود من هذا الكلام أنه عالم حليم وعاقل صبور، وإنما