ذكر هذين الخلقين أعني الحلم والصبر لأنهما يستلزمان سائر الأخلاق النفسانية بل جميع الأعمال الصالحة البدنية أيضا. أما الحلم فلأنه من اعتدال القوة الغضبية، واعتدالها يستلزم الاعتدال في القوة الشهوية لأن القوة الغضبية معينة للشهوية في جلب المنافع ودفع المضار فإذا اعتدلت هذه واعتدالهما تابع لكمال القوة العقلية واستيلائها على الظاهر والباطن فيضع كل عضو فيما يليق به، وأما الصبر فلأن توقف الأخلاق - مثل الورع والتقوى والعفو وحسن الخلق وكظم الغيظ وغيرها - والأعمال - مثل الصوم والصلاة والحج ونحوها وتروك المناهي - عليه أظهر من أن يحتاج إلى البيان.
(بعيدا كسله دائما نشاطه) الكسل محركة التثاقل عن الشيء والفتور وفعله كفرح، والنشاط بالفتح ويكسر طيب النفس للعمل وغيره، وفيه تنبيه على ثباته في طاعة الله وسلوك سبيله، ومنشأ ذلك قوة اعتقاده فيما وعد الله للعاملين والتصديق بشرف غاية العبادة.
(قريبا أمله قليلا زلله) أي ليس له طول أمل لإكثاره ذكر الموت والوصول إلى الله تعالى حتى أنه يترقبه آنا فآنا وليس له زلل ولو وقع لضرورة أو سهوا أو من باب ترك الأولى وقع قليلا نادرا.
(متوقعا لأجله خاشعا قلبه) إذا خشع قلبه خشعت جوارحه، والخشوع ثمرة الفكر في جلال المعبود وملاحظة عظمته التي هي روح العبادة، وانتظار الأجل من أشد الجواذب عن الدنيا إلى الله تعالى والشوق إلى لقائه والحزن من ألم فراقه حتى يبلغ ذلك إلى غاية لا يستقر روحه في جسده لولا الأجل الذي كتب له وهذا الشوق إذا بلغ حد الملكة يستلزم دوام ذكره لربه وقناعة نفسه بقليل من الدنيا وهو قدر الضرورة كما قال.
(ذاكرا ربه قانعة نفسه) ويعين على ذلك تصور الفرق بين الحاضرة والغايبة والتصديق بعدم المساواة بين الذاكر والغافل وبين القانع والحريص في الآخرة.
(منفيا جهله سهلا أمره) لاتصاف نفسه بالعلوم وظهور آثار الحكمة فيه وعدم تكلفه لأحد وعدم تكلف أحد له لأن المؤمن خفيف المؤونة.
(حزينا لذنبه ميتة شهوته) حزنه ثمرة الخوف من الله والتقصير في رعاية حقوقه، ولفظ الموت مستعار لخمود شهوته عما حرم عليه وما لا يليق به وهو العفة.
(كظوما غيظه صافيا خلقه) كظم الغيظ رده وحبسه من فضائل القوة الغضبية وأعظم الخصائل البشرية، وصفاء الخلق أعني خلوصه من الغش والامتزاج بضده من أعظم صفات الايمان وأفخم سمات الإيقان.
(آمنا منه جاره ضعيفا كبره) أمن جاره من ضره وشره وبوائقه وغوائله لكونه أمينا صالحا حافظا