نفيها.
(وقال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها) وكان همام لاستعداد نفسه القدسية لاستشراق لوامع الأنوار الإلهية من أهلها فلذلك فعلت به ما فعلت.
(فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين، فقال: إن لكل أجلا لن يعدوه وسببا لا يجاوزه فمهلا لا تعد فإنما نفث على لسانك شيطان) اعلم أن هذه الصفات إذا اجتمعت في مؤمن تنور قلبه وتزيد رقته وتجلو رينه وتزيل قسوته وترفع الحجاب بينه وبين ربه وتفتح باب المكاشفة فيلوح فيه جمال الحق وأنوار الربوبية وعالم الملك وآثار القهر والجبروت كما ينتقش الصور في المرآة الصافية المجلوة، وهذا على سبيل التشبيه وإلا فقد ترتفع الأمثلة والأشباح من البين ويتصل هو بالحق اتصالا معنويا فيكون الحق حينئذ سمعه وبصره ويده ولسانه كما ورد في الحديث، وهذه الحالة هي الفناء في الله، وإنما يعرف حقيقتها المستعدون المجتهدون الواصلون دون السامعين ولذا أنكرها كثير منهم ولما كان همام مستعدا مجتهدا واصلا لمعت في قلبه حقيقة هذه الحالة عند سماع هذه الموعظة البالغة التي هي معارج الحق ومدارج النور ولم يقدر أن يملك نفسه فصاح ووقع مغشيا عليه وسؤال ذلك القائل وسوء أدبه إنما نشأ من سوء فهمه وضعف عقله وقلة علمه بأن القلوب تتفاوت في تحمل الأمور العظام والأهوال والجسام ومشاهدة العجائب وملاحظة الغرائب بسبب كثرة الممارسة وقلتها وقوة نور اليقين والتأيد بالتمكين وضعفه كما لا يخفى على الأعلام. وظاهر أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان غريقا في بحر المكاشفة واليقين بل كان قلبه نورا من نور رب العالمين فكيف يدهش من مشاهدة نوره، وإنما لم يجب (عليه السلام) بهذا الجواب لاستلزامه تفضيل نفسه أو لقصور فهم السائل بل أجاب بما هو أقرب إلى فهم السائل من الجواب المقنع له وهو أن بقاءه لعدم حضور أجله المحكوم به في القضاء الإلهي، وبالجملة سبب عدم تأثير هذه الموعظة فيه (عليه السلام) بالموت أمران: أحدهما عدم حضور أجله وثانيهما الفرق بين همام وبينه (عليه السلام) وأجاب (عليه السلام) بالأول دون الثاني.
2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن عبد الله بن غالب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقور عند الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والصبر أمير جنوده والرفق أخوه واللين والده.
* الشرح: