سعي أخلص عنده من سعيه، وكل نفس أصلح عنده من نفسه، عالم بعيبه، شاغل بغمه، لا يثق بغير ربه، غريب وحيد جريد [حزين]، يحب في الله ويجاهد في الله ليتبع رضاه ولا ينتقم لنفسه بنفسه، ولا يوالي في سخط ربه، مجالس لأهل الفقر، مصادق لأهل الصدق، موازر لأهل الحق، عون للغريب، أب لليتيم، بعل للأرملة، حفي بأهل المسكنة، مرجو لكل كريهة، مأمول لكل شدة، هشاش، بشاش، لا بعباس ولا بجساس، صليب، كظام، بسام، دقيق النظر، عظيم الحذر، [لا يجهل وإن جهل عليه يحلم] لا ينجل وإن نجل عليه صبر، عقل فاستحيى، وقنع فاستغنى، حياؤه يعلو شهوته ووده يعلو حسده، وعفوه يعلو حقده، لا ينطق بغير صواب، ولا يلبس إلا الاقتصاد، مشيه التواضع، خاضع لربه بطاعته، راض عنه في كل حالاته، نيته خالصة، أعماله ليس فيها غش ولا خديعة، نظره عبرة، سكوته فكرة، وكلامه حكمة، مناصحا متباذلا متواخيا، ناصح في السر والعلانية، لا يهجر أخاه، ولا يغتابه، ولا يمكر به، ولا يأسف على ما فاته، ولا يحزن على ما أصابه، ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء، ولا يفشل في الشدة، ولا يبطر في الرخاء، يمزج الحلم بالعلم، والعقل بالصبر، تراه بعيدا كسله، دائما نشاطه، قريبا أمله، قليلا زلله، متوقعا لأجله، خاشعا قلبه، ذاكرا ربه، قانعة نفسه، منفيا جهله، سهلا أمره، حزينا لذنبه، ميتة شهوته، كظوما غيظه، صافيا خلقه، آمنا منه جاره، ضعيفا كبره.
قانعا بالذي قدر له، متينا صبره، محكما أمره كثيرا ذكره، يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم. ويسأل ليفهم ويتجر ليغنم، لا ينصت للخبر ليفجر به، ولا يتكلم ليتجبر به على من سواه، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، فأراح الناس من نفسه، إن بغي عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له، بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده تكبرا ولا عظمة، ولا دنوه خديعة ولا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير، فهو إمام لمن بعده من أهل البر.
قال: فصاح همام صيحة، ثم وقع مغشيا عليه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أما والله لقد كنت أخافها عليه وقال: هكذا تصنع الموعظة البالغة بأهلها، فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين؟
فقال: إن لكل أجلا لا يعدوه وسببا لا يجاوزه، فمهلا لا تعد فإنما نفث على لسانك شيطان.
* الشرح:
قوله (قام رجل يقال له همام) همام ككشاف وهو همام بن سريح بن بريد بن مرة بن عمرو بن جابر بن عوف الأصهب. وكان من شيعة علي (عليه السلام) وأوليائه وكان عابدا ناسكا مجتهدا في الدين والأخلاق والأعمال. قال السيد رضى الدين (رضي الله عنه) روي أنه قال يا أمير المؤمنين صف لي المتقين