هواها وزجرها عن رداها ومقاومته لها وقهره عليها ومراقبتها إياها. والناس في راحة من شر نفسه ومناقشته ومنازعته في أمر الدنيا ولعله أولى لأن التأسيس خير من التأكيد (إن بغي عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له) أي إن ظلم لم ينتقم هو بنفسه من الظلم بل يكل أمره إلى الله لينتصر منه. والانتصار «داد ستاندن وكينه كشيدن وبازداشتن» وذلك منه نظر إلى ثمرة الصبر والوعد الصادق، قال الله تعالى (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) الآية.
(بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ليس تباعده تكبرا ولا عظمة ولا دنوه خديعة ولا خلابة) خلبه كنصره خلبا وخلابا وخلابة بكسرهما خدعه، وفي كنز اللغة:
خلابة «فريفتن بزبان وبريدن» يعني بعده ممن تباعد منه بغض لما انهمكوا فيه من الدنيا والأعمال القبيحة ونزاهة عن التلوث به وبمشاهدته لا عن كبر وتعظم عليه كما هو شأن المتكبرين المتباعدين من الصلحاء وغيرهم ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة منه لهم لا مكر بهم ولا خديعة كما هو حال خبيث الأخلاق.
(بل يقتدى بمن كان قبله من أهل الخير) كالأنبياء والأوصياء وغيرهم ممن عرف بالخير واشتهر به (فهو إمام لمن بعده من أهل البر) البر: الصلة والجنة والخير والاتساع في الإحسان والصدق والطاعة، وقد يطلق على العفة، وبهذا الاعتبار يقابله الفجور ويمكن أن يراد بالبر هنا ما دل عليه القرآن الكريم (ولكن البر من آمن بالله) إلى قوله (أولئك هم المتقون). (ولكن البر من اتقى) فإن المراد بالبر في هاتين الآيتين كمال الايمان والتقوى والأعمال الجميلة والأخلاق الحسنة.
(قال فصاح همام صحية ثم وقع مغشيا عليه) في نهج البلاغة: «فصعق صعقة كانت فيها نفسه» يعنى غشي عليه ومات رحمه الله. قال بعض الأفاضل: لم يكن يغلب على ظنه (عليه السلام) الصعقة من الوجد الشديد. فأما إن فيها موته فلم يكن مظنونا له فلا تحم حول ما قيل إنه كيف جاز منه (عليه السلام) أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلاكه وهو كالطبيب إنما يعطي كلا من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء والحق أنه (عليه السلام) كان عالما بما يرد عليه وربما يشعر به ما نقلناه في أول الباب عن بعض الأعلام كما يشعر به ما نقله الراوي بقوله:
(فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) أما والله لقد كنت أخافها عليه) وعدم جواز إجابته بعد مبالغته في السؤال وعزمه عليه مع غلبة ظنه بهلاكه ممنوع لجواز علمه (عليه السلام) وعدم جواز إجابته بعد مبالغته في السؤال وعزمه عليه مع غلبة ظنه بهلاكه ممنوع لجواز علمه (عليه السلام) بأنه تعالى جعل موته بسماع هذه الموعظة البليغة فما فعله إلا بأمر ربه، أو بأن فيه حكمة وإن لم نعلمها وخفاء الحكمة لا تقتضى