لوصية الله ووصية رسوله في الجار وضعف كبره وسلبه عن نفسه لعلمه بأن الكبر صفة أهل الجور وخلق أهل النار، وأن التواضع والتذلل من وصف الصالحين وحال أهل الجنة وشأن المؤمنين كما قال الله تعالى (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) وقال تعالى (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا).
(قانعا بالذي قدر له متينا صبره محكما أمره كثيرا ذكره) قناعته بما قدر له تابع لعلمه بأن فيها راحة الدارين وانقياده لحكمة الله تعالى في تقدير المعاش وتقسيم الأرزاق، وصرف نفسه عن الهوى وكسر حرصه في الدنيا ومتانة صبره وقوته على أثقال النفس من الأعمال والتروك والمصائب والنوائب لتوطينه عليها حتى صار الصبر ملكة له بحيث لا يضعفه شيء من المكاره.
وإحكام أمره لقوة رأيه وكمال عقله وشدة عزمه لأن خفيف الرأي وسخيف العقل وضعيف العزم أمره مضطرب وكثرة ذكره بالقلب واللسان وسائر الأركان لتوجهه بالكلية إلى مولاه وتطهير قلبه عن نقش ما سواه.
(يخالط الناس ليعلم ويصمت ليسلم ويسأل ليفهم ويتجر ليغنم) أي يخالط الناس ليعلم القوانين الشرعية والآداب النبوية أو ليعلم أحوالهم وخيرهم وشرهم للعبرة، ويصمت عن الحق أو الأعم منه ليسلم من شرهم، ويسأل العالم ليفهم ما لم يعلم امتثالا لقوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ويتجر في الدنيا بالعلم والعمل والجهاد بالنفس والمال ليغنم في الآخرة كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم) وبالجملة فيه إشارة إلى جميع ما يحتاج إليه السالك وهو العلم والعمل والتعلم والسكوت في مواضع الضرر.
(لا ينصت للخبر ليفخر به ولا يتكلم ليتجبر على من سواه) أي لا ينصت للخبر والحديث لقصد الافتخار به على الناس بل ليعلم ويعمل فيكمل بالعلم والعمل ولا يتكلم به ليتجبر ويتكبر على من سواه كما هو شأن علماء السوء بل لينشر العلم بين أهله، وفي بعض النسخ: لا ينصت للخبر ليفجر به بالجيم، ولعل المراد بالفجور الفخر أو الافتاء مع عدم كونه أهلا له.
(نفسه منه في عناء والناس منه في راحة) فسر هذا بقوله:
(أتعب نفسه لآخرته) للقيام بالطاعات والانتهاض لوظائف العبادات.
(فأراح الناس من نفسه) أي من شر نفسه ومكائدها لأن مبدأ الشرور طغيان النفس ومحبة الدنيا وهو بمعزل عنهما، ويحتمل أن يراد بالفقرة الأولى أن نفسه الأمارة منه في عناء وتعب لمنعها عن