كلهم خيرا منه وأنه شرهم في نفسه.
(عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه) أما علمه بعيبه فلرجوعه إلى نفسه وتفتيشه لأحوالها المذمومة وليس حاله كحال الجاهل الذي يحب نفسه فيغفل عن عيبه كما قيل: حبك للشيء يعمي ويصم. ولو قلع عن نفسه علاقة المحبة يرى عيبه كما يرى عيب غيره، وأما شغله بغمه فلعلمه بما يستقبله من المقامات الهائلة وصعاب الأمور وعدم علمه بما يفعل به فيه ويورث ذلك غمه بإصلاح مآله وشغله بتحسين حاله، وأما عدم وثوقه بغير ربه فلعلمه بأن كل شيء فقير لديه، محتاج إليه، متضرع بين يديه، وأن الوثوق بغيره في الأمر الحقير والخطير كالوثوق في الدلالة على الطريق بالأصم الأبكم الضرير، أو كالوثوق في قضاء الحوائج وكشف المضيق بالسائل المستعير أو لأنه لا يرى في الوجود إلا إياه فسد عنه طريق الوثوق بما سواه.
(قريب وحيد جريد) أي قريب بالخلق، وحيد منفرد عنهم، جريد خال عن الرذائل أو عن الميل إلى أخلاقهم وصنايعهم، وهذا من أعجب صفات العارف وكالجمع بين الضدين حيث إنه مع اتصافه بكونه مع الكثرة متصف بكونه مع الوحدة إلا أن الأول باعتبار كونه من العالم الجسماني، والثاني باعتبار كونه من العالم الروحاني فهو بالاعتبار الأول ظفر بالمخالطة وتحمل كلفتها في مكاسبته وبالاعتبار الثاني صفا فكرته في أمور دينه وآخرته وجرد نفسه عن الاتصاف بأخلاقهم بمداهنته. وفي بعض النسخ حزين بدل جريد.
(يحب في الله ويجاهد في الله ليتبع رضاه) أشار إلى أن حبه لاخوانه المؤمنين وقربات الحق في الله وجهاده بماله ونفسه في العلم والعمل وتهذيب نفسه في الله لمجرد أن يتبع رضاه ويطأ بساط قربه ويتشرف بإكرامه الذي لأوليائه، وأشار في السابق إلى أن حبه في الله مقرون بالفقه والعلم، على أن تكرير بعض الصفات في المواعظ قد يقصد للتأكيد والمبالغة في رعايته (ولا ينتقم لنفسه بنفسه ولا يوالي في سخط ربه) أي لا ينتقم من المتعدي لنفسه بنفسه بل يكله إلى ربه، أو يعفو ولا يوالي أحدا فيما فيه سخط ربه وعقوبته لما فيه من العلم والحلم والصبر والكرم، وفي قوله «لنفسه» إشارة إلى أنه ينتقم لربه لما فيه من القوة على القيام بالحق وهذا هو الخلق الحسن المحمود لأنه لو ترك القيام في حق الله تعالى كان فيه مهانة ولو انتقم لنفسه لم يكن فيه صبر وكان هذا الخلق بطشا فانتفى عنه الطرفان المذمومان وبقي الوسط، وخير الأمور أوسطها، وفي قوله «بنفسه» إشارة إلى أنه ينتقم له ربه عاجلا أو آجلا.
(مجالس لأهل الفقر مصادق لأهل الصدق) مجالسته لأهل الفقر الصابرين على الفقد والسمل، ومجالسته لأهل الصدق الكاملين في القول والعمل من دلائل عقله وكمال فضله حيث إنه مع