قوله: (أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها) عشق يعشق عشقا من باب تعب والاسم العش بالكسر وهو الإفراط في المحبة أي أحبها حبا مفرطا من حيث أنها وسيلة إلى المحبوب الحقيقي وذريعة للوصول إليه والقرب منه فحبها تابع لحبه وفي قوله «أم على يسر» دلاله على أن السير لا ينافي حبها وتفريغ القلب من غيرها لأجلها وإنما المنافي له تعلق القلب به. قيل ذكرت الحكماء في كتبهم الطبية إن العشق ضرب من الماليخوليا الجنون والأمراض السوداوية وقرروا في كتبهم الإلهية أنه من أعظم الكلمات وأتم السعادات وربما يظن أن بين الكلامين تخالفا وهو من واهي الظنون فإن المذموم هو العشق الجسماني الحيواني الشهواني والممدوح هو الروحاني الإنساني النفساني والأول يزول ويفنى بمجرد الوصال والاتصال والثاني يبقي ويسمو أبد الآباد على كل حال.
* الأصل 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن شاذان بن الخليل قال: - وكتبت من كتابه بإسناده له، يرفعه إلى عيسى بن عبد الله قال: - قال عيسى بن عبد الله لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ما العبادة؟ قال: حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها، أما إنك يا عيسى لا تكون مؤمنا حتى تعرف الناسخ من المنسوخ، قال: قلت: جعلت فداك وما معرفة الناسخ من المنسوخ؟ قال: فقال:
أليس تكون مع الإمام موطنا نفسك على حسن النية في طاعته، فيمضي ذلك الإمام ويأتي إمام آخر فتوطن على حسن النية في طاعته: قال: قلت: نعم، قال: هذا معرفة الناسخ من المنسوخ.
* الشرح قوله: (قال حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها) لعل المراد بهذه الوجوه الأئمة (عليهم السلام) واحد بعد واحد لأنهم الوجوه التي يطاع الله تعالى منها لإرشادهم وهدايتهم وبالطاعة الطاعة المعلومة بتعليمهم أو إطاعتهم والانقياد لهم وبحسن النية تعلق القلب بها من صميمة بلا منازعة ولا مخاطرة كم قال جل شأنه (فلا وربك لا يؤمنون - إلى قوله - ويسلموا تسليما» ويحتمل أن يراد بالوجوه وجوه العبادات وأنواعها وبحسن النية تخليصها عن شوائب النقص.
قوله: (أما أنك يا عيسى لا تكون مؤمنا حتى تعرف الناسخ من المنسوخ قال قلت جعلت فداك وما معرفة الناسخ من المنسوخ؟) دل على جواز الخطاب بالمجمل وهو ما لم يتضح دلالته أو بالعام المراد به بعض أفراده أو بالمحتمل وقد بينا جوازه في أصول الفقه وقالت المعتزلة: لا يجوز لأنه تجهيل للمخاطب وهو قبيح من الحكيم ولا نسلم أنه تجهيل بل هو تقرير للحكم وتثبيت له في ذهن السامع حيث يطلبه والمفهوم بعد الطلب أعز من المنساق بلا طلب وباعث للثواب له