جنسه، كما قدمناه في باب خيار الشرط فيما لو كان الخيار للمشتري وهلك في يده، ولا يلزم قبض القيمة قبل التفرق، لأنه صرف حكما لا حقيقة كما سنذكره في الصرف. وبما قررناه علم أن استثناء هذه المسائل من إهدار الجودة بإثبات اعتبارها إنما هو لمراعاة حق العبد، لكن على وجه لا يؤدي إلى إبطال حق الشرع، فما قيل إنه يفهم من استثنائها أنه يجوز للوصي بيع قفيز جيد بقفيزين رديئين نظرا للجودة المعتبرة في مال اليتيم ونحوه من بقية المسائل، وهو خطأ للزوم الربا غير وارد، لان المراد أنه لا يجوز إهدار الجودة في مال اليتيم ونحوه، حتى لا يجوز للوصي بيع قفيزه الجيد بقفيز ردئ ولا يلزم من اعتبار أحد الحقين إهدار الحق الآخر، فاغتنم تحقيق هذا المحل. قوله: (فإن نقد أحدهما جاز الخ) نقل المسألة في البحر عن المحيط، لكنه وقع فيه تحريف حيث قال: وإن تفرقا بلا قبض أحدهما جاز، وصوابه لم يجز، كما عبر الشارح ونبه عليه الرملي، ثم إنه نقل في البحر قبله عن الذخيرة في مسألة بيع فلس بفلسين بأعيانهما أن محمدا ذكرها في صرف الأصل، ولم يشترط التقابض، وذكر في الجامع الصغير ما يدل على أنه شرط، فمنهم من لم يصحح الثاني، لان التقابض مع التعيين شرط في الصرف، وليس به، ومنهم من صححه، لان الفلوس لها حكم العروض من وجه وحكم الثمن من وجه، فجاز التفاضل للأول واشترط التقابض للثاني ا ه. وأنت خبير بأن لفظ التقابض يفيد اشتراطه من الجانبين، فقوله فإن نقد أحدهما جاز قول ثالث، لكن يتعين حمل ما في الأصل على هذا فلا يكون قولا آخر، لان ما في الأصل لا يمكن حمله، على أنه لا يشترط التقابض، ولو من أحد الجانبين، لأنه يكون افتراقا عن دين بدين وهو غير صحيح، فيتعين حمله على أنه لا يشترط منهما جميعا بل من أحدهما فقط.
فصار الحاصل أن ما في الأصل يفيد اشتراطه من أحد الجانبين، وما في الجامع اشتراطه منهما، ثم إن الذي مر اشتراط التعيين في البدلين أو أحدهما مع القبض في المجلس فلو غير معينين لم يصح وإن قبضا في المجلس فقوله لما مر فيه نظر.
تنبيه: سئل الحانوتي عن بيع الذهب بالفلوس نسيئة، فأجاب: بأنه يجوز إذا قبض أحد البدلين، لما في البزازية لو اشترى مائة فلس بدرهم يكفي التقابض من أحد الجانبين. قال: ومثله ما لو باع فضة أو ذهبا بفلوس كما في البحر عن المحيط. قال: فلا يغتر بما في فتاوى قارئ الهداية من أنه لا يجوز بيع الفلوس إلى أجل بذهب أو فضة لقولهم: لا يجوز إسلام موزون في موزون، إلا إذا كان المسلم فيه مبيعا كزعفران والفلوس غير مبيعة بل صارت أثمانا ا ه.
قلت: والجواب حمل ما في فتاوى قارئ الهداية، على ما دل عليه كلام الجامع من اشتراط التقابض من الجانبين، فلا يعترض عليه بما في البزازية المحمول على ما في الأصل، وهذا أحسن مما أجاب به في صرف النهر من أن مراده بالبيع السلم والفلوس لها شبه بالثمن، ولا يصح السلم في الأثمان، ومن حيث إنها عروض في الأصل اكتفى بالقبض من أحد الجانبين. تأمل. قوله: (فيجوز كيفما كان) أي سواء كان اللحم من جنس ذلك الحيوان أو لا، مساويا لما في الحيوان أو لا نهر.