تعالى وتمام الكلام على هذه المسألة مبسوط في رسالتنا (نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف) فراجعها. قوله: (وبيع الدقيق الخ) لا حاجة إلى استخراجه، فقد وجد في الغياثية عن أبي يوسف أنه يجوز استقراضه وزنا إذا تعارف الناس ذلك، وعليه الفتوى ا ه ط. وفي التاترخانية: وعن أبي يوسف :
يجوز بيع الدقيق واستقراضه وزنا إذا تعارف الناس ذلك استحسن فيه ا ه ونقل بعض المحشين عن تلقيح المحبوبي أن بيعه وزنا جائز، لان النص عين الكيل في الحنطة دون الدقيق ا ه ومقتضاه أنه على قول الكل، لان ما لم يرد فيه نص يعتبر فيه العرف اتفاقا، لكن سنذكر عن الفتح أن فيه روايتين، وأنه في الخلاصة جزم برواية عدم الجواز. قوله: (يعني بمثله) المراد من التخريج على هذه الرواية بيع الدقيق وزنا بمثله احترازا عن بيعه وزنا بالدراهم، فإنه جائز اتفاقا كما في الذخيرة، ونصه: قال شيخ الاسلام: وأجمعوا على أن ما ثبت كيله بالنص إذا بيع وزنا بالدراهم يجوز، وكذلك ما ثبت وزنه بالنص. قوله: (وفي الكافي الفتوى على عادة الناس) ظاهر البحر وغيره أن هذا في السلم ففي المنح عن البحر: وأما الاسلام في الحنطة وزنا ففيه روايتان، والفتوى على الجواز لان الشرط كونه معلوما، وفي الكافي: الفتوى على عادة الناس ا ه. قال في النهر وقول الكافي: الفتوى على عادة الناس، يقضي أنهم لو اعتادوا أن يسلموا فيها كيلا وأسلم وزنا لا يجوز ولا ينبغي ذلك، بل إذا اتفقا على معرفة كيل أو وزن ينبغي أن يجوز لوجود المصحح، وانتفاء المانع، كذا في الفتح ا ه.
والحاصل أن عدم جواز الوزن في الأشياء الأربعة المنصوص على أنها مكيلة إنما هو فيما إذا بيعت بمثلها، بخلاف بيعها بالدراهم كما إذا أسلم دراهم في حنطة، فإنه يجوز تقديرها بالكيل أو الوزن وظاهر الكافي وجوب اتباع العادة في ذلك، وما بحثه في الفتح ظاهر ويؤيده ما قدمناه آنفا عن الذخيرة. قوله: (بحر وأقره المصنف) الظاهر أن مراده بهذا تقوية كلام الكافي، وأنه لم يرض بما ذكره في النهر عن الفتح لكن علمت ما يؤيده. قوله: (والمعتبر تعيين الربوي في غير الصرف) لان غير الصرف يتعين بالتعيين، ويتمكن من التصرف فيه، فلا يشترط قبضه كالثياب: أي إذا بيع ثوب بثوب بخلاف الصرف، لان القبض شرط فيه للتعيين، فإنه لا يتعين بدون القبض، كذا في الاختيار.
وحاصله: أن الصرف وهو ما وقع على جنس الأثمان ذهبا وفضة بجنسه، أو بخلاف لا يحصل فيه التعيين إلا بالقبض، فإن الأثمان لا تتعين مملوكة إلا به، ولذا كان لكل من العاقدين تبديلها أما غير الصرف فإنه يتعين بمجرد التعيين قبل القبض. قوله: (ومصوغ ذهب وفضة) عطف خاص على عام، فإن المصوغ من الصرف كما سيصرح به الشارح في بابه وكأنه خصه بالذكر لدفع ما يتوهم من خروجه عن حكم الصرف بسبب الصنعة. قوله: (حتى لو باع الخ) قال في البحر: بيانه كما ذكره الأسبيجابي بقوله: وإذا تبايعا كيليا بكيلي أو وزنيا بوزني كلاهما من جنس واحد أو من جنسين مختلفين، فإن البيع لا يجوز حتى يكون كلاهما عينا أضيف إليه العقد، وهو حاضر أو غائب بعد أن يكون موجودا في ملكه، والتقابض قبل الافتراق بالأبدان ليس بشرط لجوازه، إلا في الذهب والفضة، لو كان أحدهما عينا أضيف إليه العقد، والآخر دينا موصوفا في الذمة فإنه ينظر إن جعل الدين منهما ثمنا، والعين مبيعا جاز البيع بشرط أن يتعين الدين منهما قبل التفرق بالأبدان، وإن جعل