والمعنى أن الانسان يحتاج إلى أشياء لا غنى له عنها، فحينئذ إذا لم يجز له قبول الزكاة مع عدم اكتسابه أنفق ما عنده ومكث محتاجا فينقطع عن الإفادة والاستفادة فيضعف الدين لعدم من يتحمله، وهذا الفرع مخالف لاطلاقهم الحرمة في الغنى، ولم يعتمده أحد.
قلت: وهو كذلك. والأوجه تقييده بالفقير، ويكون طلب العلم مرخصا لجواز سؤاله من الزكاة وغيرها وإن كان قادرا على الكسب إذ بدونه لا يحل له السؤال كما سيأتي. ومذهب الشافعية والحنابلة أن القدرة على الاكتساب تمنع الفقر فلا يحل له الاخذ فضلا عن السؤال، إلا إذا اشتغل عنه بالعلم الشرعي. قوله: (ما يكفيه وأعوانه) بيان لقوله: بقدر عمله وقدمنا أنه يعطي ما لم يهلك المال وإلا بطلت عمالته، ولا يعطي من بيت المال شيئا كما في البحر. وفي البزازية: أخذ عمالته قبل الوجوب أو القاضي رزقه قبل المدة جاز، والأفضل عدم التعجيل لاحتمال أن لا يعيش إلى المدة اه.
قال في النهر: ولم أر ما لو هلك المال في يده وقد تعجل عمالته، والظاهر أنه لا يسترد.
قوله: (بالوسط) فيحرم أن يتبع شهوته في المأكل والمشرب لأنه إسراف محض، وعلى الامام أن يبعث من يرضى بالوسط. بحر. قوله: (لكن الخ) أي لو استغرقت كفايته الزكاة لا يزاد على النصف، لان التنصيف عين الانصاف. بحر. قوله: (ومكاتب) هذا هو المعني بقوله تعالى: * (وفي الرقاب) * (التوبة: 06) في قول أكثر أهل العلم، وهو المروي عن الحسن البصري أطلقه فعم مكاتب الغني أيضا، وقيده الحدادي بالكبير أما الصغير فلا يجوز، وفيه نظر إذ صرحوا بأن المكاتب يملك المدفوع إليه، وهذا بإطلاقه يعم الصغير أيضا نهر.
قلت: قد يجاب بأن مراد الحدادي بالصغير من لا يعقل، لان كتابته استقلالا غير صحيحة، أو لأنه لا يصح قبضه. تأمل. ثم قال في النهر: وعلى هذا فالعدول فيه وفيما بعده عن اللام إلى في للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقبة، أو للايذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم من غيرهم، لا لأنهم لا يملكون شيئا كما ظن، إلا أن يراد لا يملكونه ملكا مستقرا، وهل يجوز للمكاتب صرف المدفوع إليه في غير ذلك الوجه؟ لم أره لهم اه. والضمير في لهم لائمتنا، وأصل التوقف لصاحب البحر، فإنه نقل عن الطيبي من الشافعية ما يفيد أن المكاتب ومن بعده ليس لهم صرف المال في غير الجهة التي أخذوا لأجلها لأنهم لا يملكونه.
ثم قال: وفي البدائع: إنما جاز دفع الزكاة إلى المكاتب لأنه تمليك، وهو ظاهر في أن الملك يقع للمكاتب، فبقية الأربعة بالطريق الأولى، لكن بقي هل لهم على هذا الصرف إلى غير الجهة؟ اه. قال الخير الرملي: والذي يقتضيه نظر الفقيه الجواز اه. قلت: وبه جزم العلامة المقدسي في شرح نظم الكنز.
فرع: ذكر الزيلعي في كتاب المكاتب عند قوله: ولو اشترى أباه أو ابنه فكاتب عليه أن للمكاتب كسبا وليس له ملك حقيقة لوجود ما ينافيه وهو الرق، ولهذا اشترى زوجته لا يفسد نكاحه، ويجوز دفع الزكاة إليه ولو وجد كنزا اه. كذا في شرح الكنز للعلامة ابن الشلبي شيخ صاحب البحر.