ومثل ذلك لو استقبل الامام الركن وكان أحد المقتدين من جانبيه أقرب إلى الكعبة.
وعبارة الخير الرملي أقول: رأيت في كتب الشافعية: لو توجه الامام أو المأموم إلى الركن فكل من جانبيه جهته، وأقول: ولا شئ من قواعدنا يأباه، فلو صلى الامام إلى الركن فكل من جانبيه جانبه فينظر إلى من عن يمينه وشماله من المقتدين، فمن كان الامام أقرب منه إلى الحائط أو بمساواته له فيحكم بصحة صلاته، وأما الذي هو أقرب من الامام إلى الحائط فصلاته فاسدة، وبه يتضح الحال في التحلق حول الكعبة المشرفة مع الامام في سائر الأحوال اه. قوله: (وكذا لو اقتدوا من خارجها بإمام فيها الخ) أي سواء كان معه بعض القوم أو لا. قال في الامداد: ولعل اشتراط فتح الباب ليعلم انتقال الامام بالنظر إليه، فلو سمع انتقالاته بالتبليغ والباب مغلق لا مانع من صحة الاقتداء لعدم المانع منه كما قدمناه في شروط صحة الاقتداء اه. ولكنه يكره ذلك لارتفاع مكان الامام قدر القامة، كانفراده على الدكان إن لم يكن معه أحد ط.
أقول: ولم أر من ذكر عكس المسألة، وهو ما لو كان المقتدي فيها والامام خارجها. والظاهر الصحة إن لم يمنع مانع من التقدم على الامام عند اتحاد الجهة. ثم رأيت رسالة لسيد عبد الغني سماها (نفض الجمعة في الاقتداء من جوف الكعبة) ذكر فيها أنه سئل عن هذه المسألة وأنه وقع فيها اختلاف بين أهل عصره في مكة، وأنه أجاب بعضهم بالجواز وبعضهم بالمنع، ولم توجد منصوصة، وأجاب هو بالجواز، ورد ما استند إليه المانع، وذكر أنه ذكرها الزركشي من الشافعية في كتابه إعلام الساجد بأحكام المساجد وذكر أن قواعدنا لا تأبى ما ذكره من الجواز اه.
قلت: ولما حججت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف اجتمعت في منى سقى الله عهدها مع بعض أفاضل الروم من قضاة المدينة المنورة، فسألني عن هذه المسألة، فقلت له ما تقدم، فقال: لا يصح الاقتداء، لان المقتدى يكون أقوى حالا من الامام لكونه داخلها والامام خارجها، وبني على ذلك أنه لا يصح اقتداء من يصلي في الحجر إذا كان الامام في جهة أخرى، لان الحجر من الكعبة، وقال: إذا وليت قضاء مكة أمنع الناس من ذلك، فعارضته بأن ما ذكرته من القوة لا يؤثر في المنع للتساوي في الواجب وهو استقبال جزء من الكعبة، وبأن التحلق حول الكعبة عادة قديمة من عهد النبي (ص) وإن كان الامام خارج الحجر، ولم نسمع عن أحد من المجتهدين أو ممن بعدهم أنه منع من وصل الصفو ف في الحجر، فكان ذلك إجماعا على الصحة، وبأن الحجر: أي بعضه ليس من الكعبة على سبيل القطع، ولذا لا تصح الصلاة مستقبلا إليه، وإنما هو ظني، فإذا وجدت شروط الصحة القطعية لا يحكم بالفساد لأمر ظني بعد تسليم أصل المسألة، وإلا فهو غير مسلم لما علمت، والله تعالى أعلم.