والمراهقون لا عقوبة عليهم، ويضمنون المال والنفس، كما لو أتلفوا في غير هذا الحال، وأما الشوكة، فقطاع الطريق طائفة يترصدون في المكامن للرفقة، فإذا رأوهم، برزوا قاصدين الأموال معتمدين في ذلك على قوة وقدرة يتغلبون بها، وفيهم شرعت العقوبات الغليظة التي سنصفها إن شاء الله تعالى، وأما الذين لا يعتمدون قوة، ولكن ينتهزون ويختلسون، ويولون معتمدين على ركض الخيل، أو العدو على الاقدام، كما يتعرض الواحد والنفر اليسير لاخذ القافلة فيسلبون شيئا، فليسوا بقطاع، وحكمهم في الضمان والقصاص حكم غيرهم، ولو خرج واحد أو شرذمة يسيرة، فقصدهم جماعة يغلبونهم بقوتهم، فهم قطاع وإن لم يكثر عددهم، لاعتمادهم على الشوكة والنجدة بالإضافة إلى الواحد والشرذمة، كذا نقله الامام عن طرق الأصحاب، ويقرب منه ما ذكره ابن كج أنه لو أقام خمسة أو عشرة في كهف، أو شاهق جبل، فإن مر بهم قوم لهم شوكة وعدة، لم يتعرضوا لهم، وإن مر قوم قليلو العدد، قصدوهم بالقتل وأخذ المال، فحكمهم حكم قطاع الطريق في حق الطائفة اليسيرة، وإن تعرضوا للأقوياء وأخذوا شيئا، فهم مختلسون، ورأي الامام أن يفصل القول في الرفقة اليسيرة والواحد، فيقال: إن كان خروجهم في مثل ذلك الطريق يعد تضييعا وتغريرا بالنفس والمال، فالمتعرضون لهم ليسوا بقطاع، وينزل خروجهم في هذه الحالة كترك المال في موضع لا يعد حرزا، وأقام الامام ما رآه وجها، ولو كانت الرفقة يتأتى منهم دفع القاصدين ومقاومتهم، فاستسلموا حتى قتلوا وأخذت أموالهم، فالقاصدون لهم ليسوا بقطاع، لأن ما فعلوه لم يصدر عن شوكتهم، بل الرفقة ضيعوا، هكذا أطلقه الأصحاب، ويجوز أن يقال: ليست الشوكة مجرد العدد والعدة، بل تحتاج مع ذلك إلى اتفاق كلمة ومتبوع مطاع وعزيمة على القتال، والقاصدون للرفقة هكذا يكونون في الغالب، والرفقة لا تجتمع كلمتهم، ولا يضبطهم مطاع، ولا عزم لهم على القتال، وخلوهم عن هذه الأمور يوقعهم في التخاذل لا عن قصد منهم، فينبغي أن لا يجعلوا مضيعين، ولا يخرج قاصدوهم عن كونهم قطاعا، ولو أن الرفقة قاتلوهم، ونالت كل طائفة من الأخرى، فهل هم قطاع؟ فيه احتمالان للامام، أصحهما: نعم، وبه جزم الغزالي، وأما البعد عن الغوث، فإنما اشترط ليمكنهم الاستيلاء والقهر مجاهرة
(٣٦٤)