هذا هو الأصح، وفي وجه لأبي إسحاق: إن رأى الامام في إطلاقهم قوة أهل البغي، وأن حبسهم يردهم إلى الطاعة، ويدعوهم إلى مراجعة الحق، حبسهم حتى يطيعوا، وفي وجه له حبسهم مطلقا كسرا لقلوب البغاة، وعلى هذا وقت تخليتهم وقت تخلية الرجال، وأما العبيد والمراهقون، فأطلق جماعة أنهم كالنساء وإن كانوا يقاتلون، وقال الامام والمتولي: إن كان يجئ منهم قتال، فهم كالرجال في الحبس والاطلاق، وهذا حسن، ولا شك أن العبيد والمراهقين والنساء إذا قاتلوا فهم كالرجال في أنهم يقتلون مقبلين، ويتركون مدبرين، ويجوز أسر كل هؤلاء المذكورين ابتداء.
فرع إذا ظفرنا بخيلهم وأسلحتهم، لم نردها حتى ينقضي القتال، ونأمن غائلتهم بعودهم إلى الطاعة، أو تفرقهم، ولا يجوز استعمالها في القتال، فلو وقعت ضرورة ولم يجد أحدنا ما يدفع عن نفسه إلا سلاحهم، أو ما يركبه وقد وقعت هزيمة إلا خيولهم، جاز الاستعمال والركوب، كما يجوز أكل مال الغير للضرورة، وما ليس من آلات الحرب من أموالهم يرد إليهم عند انقضاء الحرب.
الرابعة: لا يقاتلهم بما يعم ويعظم أثره، كالمنجنيق والنار، وإرسال السيول الجارفة، لكن لو قاتلونا بهذه الأوجه، واحتجنا إلى المقابلة بمثلها دفعا، أو أحاطوا بنا، واضطررنا إلى الرمي بالنار ونحوها، فعلناه للضرورة، وإن تحصنوا ببلدة أو قلعة، ولم يتأت الاستيلاء عليها إلا بهذه الأسباب، فإن كان فيها رعايا لا بغي فيهم، لم يجز قتالهم بهذه الأسباب، وإن لم يكن فيها إلا البغاة المقاتلون، فكذلك في الأصح، لأن ترك بلدة في أيدي طائفة من المسلمين قد يمكن الاحتيال في محاصرتهم والتضييق علهم أقرب إلى الاصلاح من اصطلام أمم.
الخامسة: لا يجوز أن يستعان عليهم بكفار، لأنه لا يجوز تسليط كافر على مسلم، ولهذا لا يجوز لمستحق قصاص أن يوكل كافرا باستيفائه، ولا للامام أن يتخذ جلادا كافرا لإقامة الحدود على المسلمين، ولا يجوز أن يستعان بمن يرى