وهل يشترط التعرض لقدر الجزية؟ وجهان، أحدهما: لا، ويجب الأقل، وأصحهما: نعم، كالثمن والأجرة. وهل يشترط التعرض لكفهم اللسان عن الله تعالى ورسوله (ص) ودينه؟ وجهان، أصحهما: لا، لأنه داخل في الانقياد، ويشترط من الذمي لفظ، كقبلت، أو رضيت بذلك، ولو قال الذمي: قررني بكذا، فأجابه الامام، تم العقد، ولا يصح عقد الذمة مؤقتا على المذهب، لأنه خلاف مقتضاه، ومن صحح، قاسه على الهدنة، ولو قال: أقركم ما شئت، أو أقركم ما أقركم الله، أو إلى أن يشاء الله، لم يصح على المذهب، وقيل: على الخلاف في المؤقت بمعلوم وعكسه، وجعل هذا أولى بالصحة، وهو خلاف ما قاله الأصحاب. ولو قال: أقركم ما شئتم، جاز، لأن لهم نبذ العقد متى شاؤوا، فليس فيه إلا التصريح بمقتضاه، قال الأصحاب: ولو قال في الهدنة: هادنتكم ما شئتم، لم يصح، لأنه يجعل الكفار محكمين على المسلمين.
فرع إذا طلبت طائفة تقر بالجزية عقد الذمة، وجبت إجابتهم، وفي البيان وغيره وجه: أنها لا تجب إلا إذا رأى الامام فيها مصلحة كما في الهدنة، وهذا شاذ متروك، فلو خاف غائلتهم، وأن ذلك مكيدة منهم، لم يجبهم.
فرع إذا عقدت الذمة مع إخلال بشرط، لم يلزم الوفاء، ولم تجب الجزية المسماة، لكن لا يغتالون، بل يبلغون المأمن، ولو بقي بعضهم على ذلك العقد عندنا سنة أو أكثر، وجب عليه لكل سنة دينار، ولو دخل حربي دارنا وبقي مدة، فاطلعنا عليه فوجهان، الصحيح الذي حكاه الامام عن الأصحاب: أنا لا نأخذ منه شيئا لما مضى بخلاف من سكن دارا غصبا، لأن عماد الجزية القبول، وهذا حربي لم يلتزم شيئا، وخرج ابن القطان وجها آخر: أنه تؤخذ منه جزية ما مضى، وعلى الوجهين: لنا قتله واسترقاقه، وأخذ ماله، ويكون فيئا، ولو رأى الامام أن يمن عليه، ويترك أمواله وذريته له، جاز بخلاف سبايا الحرب وأموالها، لأن الغانمين