واختلف الأصحاب فيما فعله بأرضه على وجهين، الصحيح الذي قاله الأكثرون، ونص عليه في كتاب الرهن، وفي سير الواقدي: أنه وقفها على المسلمين وآجره لأهله، والخراج المضروب عليه أجرة منجمة تؤدى كل سنة، والثاني وبه قال ابن سريج: أنه باعه لهم والخراج ثمن منجم، فعلى هذا يجوز رهنه وهبته وبيعه، وعلى الصحيح: لا يجوز ذلك، ويجوز لأهله إجارته بالاتفاق مدة معلومة، ولا تجوز إجارته مؤبدا على الأصح بخلاف إجارة عمر رضي الله عنه مؤبدا، فإنها احتملت لمصلحة كلية، ولا يجوز لغير سكانه أن يزعج ساكنا ويقول: أنا استغله وأعطي الخراج، لأنه ملك بالإرث المنفعة أو الرقبة، هذا حكم الأرض التي تزرع وتغرس، فأما ما في حد السواد من المساكن والدور، فالمذهب جواز بيعها، لأن أحدا لم يمنع شراءها، وهل يجوز لمن في يده الأرض تناول ثمر أشجارها؟ إن قلنا: الأرض مبيعة، فكذا الشجر والثمر، وإن قلنا: مستأجرة، فوجهان، أحدهما: يجوز له تناولها للحاجة، ويحتمل ذلك كما يحتمل التأييد، وأصحهما: المنع، بل الامام يصرفها وأثمانها إلى مصالح المسلمين.
وأما حد السواد، فأطلق جماعة أنه من عبادان إلى حديثة الموصل طولا، ومن عذيب القادسية إلى حلوان عرضا، وهو بالفراسخ مائة وستون فرسخا طولا، وثمانون عرضا، وفي هذا الاطلاق تساهل لما قد علم أن أرض البصرة كانت سبخة أحياها عثمان بن أبي العاصي وعتبة بن غزوان رضي الله عنهما بعد فتح العراق، وهي داخلة في هذا الحد ولا بد من استثنائها، وقد أطلق البغوي أن البصرة لا تدخل في حكم السواد وإن كانت داخلة في حده، وقال صاحب الحاوي: حضرت الشيخ أبا حامد وهو يدرس في تحديد السواد فأدخل فيه البصرة ثم أقبل علي وقال: هكذا تقول؟ قلت: لا إنما كانت مواتا أحياها المسلمون، فأقبل على أصحابه وقال:
علقوا ما يقول، فإن أهل البصرة أعرف بها، ولكن في إطلاق استثناء البصرة تساهل أيضا، والصحيح ما أورده صاحب المهذب وغيره أن البصرة ليس لها حكم السواد