قال الشوكاني: والأدلة القاضية بأن للفارس وفرسه سهمين مرجوحة لا يشك في ذلك من له أدنى إلمام بعلم السنة، ثم نقل دليل أبي حنيفة السابق الإشارة إليه من تفضيل البهيمة وقال: وهذه حجة ضعيفة وشبهة ساقطة ونصبها في مقابلة السند الصحيحة المشهورة مما لا يليق بعالم، وأيضا السهام في الحقيقة كلها الرجل لا البهيمة، وأيضا قد فضلت الحنفية الدابة على الانسان في بعض الأحكام فقالوا: لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف أداها، فان قتل عبدا مسلما لم يؤد فيه إلا دون عشر آلاف درهم.
وقد استدل الجمهور في مقابلة الشبهة بأن الفرس تحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها وبأنه يحصل بها من الغناء في الحرب ما لا يخفى، وقد اختلف فيمن حضر الوقعة بفرسين فصاعدا، هل يسهم لكل فرس أم لفرس واحدة فروى عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغا ما بلغت.
قال القرطبي في المفهم: ولم يقل أحد أنه يسهم لأكثر من فرسين إلا ما روى عن سليمان بن موسى، وحكى في البحر عن الشافعية والحنفية والهادوية أن من حضر بفرسين أو أكثر أسهم لواحد فقط، وعن زيد بن علي والصادق والناصر والأوزاعي وأحمد بن حنبل، وحكاه في الفتح عن الليث وأبى يوسف وأحمد وإسحاق أنه يسهم لفرسين لا أكثر.
قال الحافظ في التلخيص فيه أحاديث منقطعة (أحدها) عن الأوزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للحيل ولا يسهم للرجل فوق فرسين، وإن كان معه عشرة أفراس رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عنه وهو معضل، ورواه سعيد من طريق الزهري أن عمر كتب إلى عبيدة أنه يسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبه سهما فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الفرسين فهو جنائب.
وروى الحسن عن بعض الصحابة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقسم إلا لفرسين، وأخرج الدارقطني بإسناد ضعيف عن أبي عمرة قال:
أسهم لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرسي أربعة ولى سهما فأخذت خمسا.