لا تقصر فيها الصلاة كانا كالمقيمين في حضانة الصغير ويخير المميز بينهما، لأنهما يستويان في انتفاء أحكام السفر من القصر والفطر والمسح، فصارا كالمقيمين في محلتين في بلد واحد، وإن كان السفر لحاجة لا لنقلة كان المقيم أحق بالولد، لأنه لاحظ للولد في حمله ورده، وإن كان السفر للنقلة إلى موضع يقصر فيه الصلاة من غير خوف فالأب أحق به، سواء كان هو المقيم أو المسافر. لان في الكون مع الأم حضانة، وفي الكون مع الأب حفظ النسب والتأديب، وفي الحضانة يقوم غير الأم مقامها، وفي حفظ النسب لا يقوم غير الأب مقامه فكان الأب أحق. وإن كان المسافر هو الأب، فقالت الأم يسافر لحاجة فأنا أحق، وقال الأب أسافر للنقلة فأنا أحق، فالقول قول الأب لأنه أعرف بيته. وبالله التوفيق (الشرح) إذا أراد أحد الأبوين السفر مسافة تقصر فيها الصلاة لحاجة ثم يعود، والآخر مقيم، فالمقيم أولى بالحضانة، لان في المسافرة بالولد إضرارا به، وإن كان منتقلا إلى بلد ليقيم به وكان الطريق مخوفا، أو البلد الذي ينتقل إليه مخوفا فالمقيم أولى بالحضانة، لان في السفر به خطرا عليه، ولو اختار الولد السفر في هذه الحالة لم يجب إليه لان فيه تعزيرا به. وإن كان البلد الذي ينتقل إليه آمنا وطريقه أمنا فالأب أحق به، سواء كان هو المقيم أو المنتقل، لان في كون الولد مع الأب حفظ النسب والتأديب. وإن كان السفر دون مسافة قصر الصلاة كانا كالمقيمين. وبهذا قال بعض أصحاب أحمد، والمنصوص عن أحمد سريان ما قررنا من الحكم على اطلاق السفر، سواء كان دون القصر أم لا.
لان البعد الذي يمنعه من رؤيته يمنعه من تأديبه وتعليمه ومراعاة حاله. فأشبه مسافة القصر، وبما ذكرناه من تقديم الأب عند افتراق الدار بهما. قال شريح ومالك وأحمد. وقال أصحاب الرأي: إن انتقل الأب فالأم أحق به، وإن انتقلت الأم إلى البلد الذي كان فيه أصل النكاح فهي أحق، وإن انتقلت إلى غيره فالأب أحق.
وحكى عن أبي حنيفة إن انتقلت من بلد إلى قرية فالأب أحق، وإن انتقلت إلى بلد آخر فهي أحق، لان في المدينة يمكن تعليمه وتخريجه