ويجوز أن يكسو المرأة حريرا، ويجوز أن يكسوهم ثيابا مستعملة إلا أن تكون قد بليت وذهبت منفعتها لأنها معيبة فلا تجزئ كالحب المعيب وسواء ما أعطاهم مصبوغا أو غير مصبوغ أو خاما أو مقصورا، لأنه تحصل الكسوة المأمور بها والحكمة المقصودة منها. وبهذا قال أحمد، إلا في ثوب الحرير فإنه يجوز أن يعطى الرجل ثوبا من الحرير، وهو أحد الوجهين عندنا، وسواء كان ما أعطاهم مصبوغا أو غير مصبوغ، أو خاما غير مخيط، لأنه تحصل الكسوة المأمور بها والحكمة المقصودة. والذين تجزئ كسوتهم هم المساكين الذين يجزئ اطعامهم لان الله تعالى قال " فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم " فينصرف الضمير إلى المساكين لا إلى أهليكم، وقد تقدم الكلام في المساكين وأصنافهم في كفارة الصوم (مسألة) قوله " وان أراد أن يكفر بالصيام الخ " فيؤخذ على المصنف قوله " وان أراد " بصيغة التخيير مع أن الآية صريحة بالتخيير بين الاطعام أو الكسوة أو التحرير فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وهذا لا خلاف فيه الا في اشتراط التتابع في الصوم ففيه قولان (أحدهما) اشتراطه وهو ظاهر المذهب عند أحمد، وبه قال النخعي والثوري وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي. وروى نحو ذلك عن علي وبه قال عطاء ومجاهد وعكرمة.
والقول الثاني أنه يجوز متتابعا ومتفرقا، وهو رواية عن أحمد حكاها ابن أبي موسى، وبه قال مالك لان الامر بالصوم مطلق ولا يجوز تقييده الا بدليل ولأنه صام الأيام الثلاثة فلم يجب التتابع فيه كصيام المتمتع ثلاثة أيام في الحج ووجه القول الأول ما ورد في قراءة أبى وعبد الله بن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) كذلك ذكره الإمام أحمد في التفسير عن جماعة. وهذا إن كان قرآنا فهو حجة لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وان لم يكن قرآنا فهو رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يحتمل أن يكونا سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرا فظنا قرآنا فثبتت له رتبة الخبر، ولا ينقص عن درجة تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآية.