على ما نوى لا على ما حلف، ولان النية بمجردها لا تنعقد بها اليمين فكذلك لا يحنث بمخالفتها، وبهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه وقال مالك وأحمد رضي الله عنهما: إذا نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه، سواء خالف اللفظ أو وافقه، لان مبنى اليمين على النية (فرع) إذا خلف لا يسكن دارا وهو ساكنها خرج من وقته، فإن تخلف عن الخروج وأقام بعد يمينه زمنا حنث لان استدامة السكنى كابتدائها في وقوع اسم السكنى عليها، ألا تراه يقول سكنت هذه الدار شهرا، كما يقول لبست هذا الثوب شهرا، وبهذا قال أحمد وأصحابه.
وإن أقام لنقل رحله وقماشه لم يحنث، لان الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال فيحتاج أن ينقل ذلك معه حتى يكون منتقلا وحكى عن مالك أنه إن أقام دون اليوم والليلة لم يحنث، لان ذلك قليل يحتاج إليه في الانتقال فلم يحنث به. وعن زفر أنه قال يحنث وان انتقل في الحال لأنه لابد من أن يكون ساكنا عقيب يمينه ولو لحظة فيحنث بها وليس بصحيح فإن ما لا يمكن الاحتراز منه لا يراد باليمين ولا يقع عليه. وأما إذا أقام زمنا يمكنه الانتقال فيه فإنه يحنث لأنه فعل ما يقع عليه اسم السكنى فحنث به كموضع الاتفاق ألا ترى أنه لو حلف لا يركب سيارة فوقف على سلمها أو تعلق بمؤخرتها حنث وإن كان قليلا؟
(فرع) إذا أقام على متاعه وأهله حنث، وقال أبو حنيفة واحمد لم يحنث لان الانتقال لا يكون الا بالأهل والمال ولا يمكنه التحرز من هذه الاستدامة فلا يقع اليمين عليها. وعلى هذا إن خرج بنفسه وترك أهله وماله في المسكن مع إمكان نقلهم عنه حنث ولنا أن لا يحنث إذا خرج بنية الانتقال، لأنه إذا خرج بنية الانتقال فليس بساكن - ولأنه يجوز أن يريد السكنى وحده دون أهله وماله - وعند احمد وأبي حنيفة ان السكنى لا يكون الا بالأهل والمال، ولهذا يقال فلان ساكن بالبلد الفلاني وهو غائب عنه بنفسه. وإذا نزل بلدا بأهله وماله يقال سكنه، ولو نزله نفسه لا يقال سكنه.