وان دفع إلى ثلاثين مسكينا ستين مدا إلى كل واحد مدين لم يجزه الا ثلاثون لأنه لم يطعم ستين مسكينا، وعليه أن يطعم ثلاثين مسكينا ثلاثين مدا أخرى لكل واحد مد، وهل له أن يرجع على كل واحد من الثلاثين بما زاد على المد؟
ينظر فيه فإن بين أن ذلك عن كفارة واحدة كان له أن يرجع به، لان ما زاد على المدعى الكفارة لا يجزئ دفعه إلى واحد، وان أطلق لم يرجع لأن الظاهر أن ذلك تطوع وقد لزم بالقبض.
وان وجب عليه كفارتان من جنس أو جنسين، فدفع إلى كل مسكين مدين أجزأه لأنه لم يدفع إليه عن كل كفارة أكثر من مد، ويجوز الدفع إلى الكبار من المساكين والى الصغار منهم لقوله تعالى " فإطعام ستين مسكينا " ولم يفرق ولكن يدفع مال الصغير إلى وليه، فإن دفع إلى الصغير لم يجزه لأنه ليس من أهل القبض، ولهذا لو كان له عليه دين فأقبضه إياه لم يبرأ بذلك (فرع) والدفع المبرئ له هو أن يدفع إلى كل مسكين مدا يقول خذه أو كله أو ألحقه لك وان قدم ستين مدا إلى ستين مسكينا وقال خذوا أو كلوا أو أبحته لكم لم يجزه ذلك، لان عليه أن يوصل إلى كل واحد منهم مدا، وهذا لم يفعل ذلك.
وان قال ملكتكم هذا بينكم بالسوية أو قبضتكم إياه فقبضوه ففيه وجهان، قال أبو سعيد الإصطخري لا يجزيه لان عليهم مشقة في القسمة فلم يجزه، كما لو دفع إليهم الطعام في سنابله.
وقال أبو إسحاق يجزيه. وهو الأصح. لأنه قد ملكهم إياه، ولا يلحقهم في قسمته كبير مشقة، ويمكن كل واحد منهم بيع نصيبه مشاعا، فإن جمع ستين مسكينا وغداهم وعشاهم لم يجزه لاختلاف كل منهم عن الآخر في القدر الذي تناوله من الطعام وتعاطاه. وقال أبو حنيفة يجزيه. دليلنا أن الواجب عليه دفع الحب وهذا لم يدفع الحب، ولأنه لا يتحقق أن كل واحد منهم أكل قدر حقه وهو يشك في اسقاط الفرض عن ذمته والأصل بقاؤه قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) ولا يجوز أن يدفع إلى مكاتب لأنها تجب لأهل الحاجة والمكاتب