(الشرح) الأحكام: اختلف أصحابنا في هل يلزمه أن يخرج من غالب قوته أو من غالب قوت البلد؟ على وجهين. قال أبو عبيد بن حربويه يلزمه من غالب قوته وهو اختيار الشيخ أبى حامد، لان الزكاة زكاتان، زكاة المال وزكاة النفس، فلما كانت زكاة النفس يجب إخراجها من غالب قوت البلد لقوله تعالى " من أوسط ما تطعمون أهليكم " والأوسط الأعدل، وأعدل ما يطعم أهله قوت البلد، فإن عدل عن قوته وقت بلده إلى قوت بلد آخر، فإن كان أعلى منها وجب عليه إخراجه، بأن عدل عن الذرة والشعير إلى البر، أو كان في مصر وأخرج زبيبا أجزأه لأنه أعلى مما وجب عليه، وإن كان دون ذلك بأن عدل عن البر إلى الذرة والشعير فهل يجزئه؟ فيه قولان حكاهما الشيخ أبو حامد، وحكاهما المصنف في المهذب هنا وجهين.
(أحدهما) يجزئه لأنه قوت تجب فيه الزكاة (والثاني) لا تجزئه وهو الأصح لأنه دون ما وجب عليه، وإن أخرج من قوت لا تجب فيه الزكاة - فإن كان غير الاقط - لم يجزه، وإن كان من الاقط ففيه وجهان كما قلنا في زكاة الفطر، وإن كان في بلد لا قوت لهم تجب فيه الزكاة وجب من قوت أقرب بلد إليه، وله يجزئه اخراج الخبز والدقيق والسويق؟
فيه وجهان (أحدهما) يجزئه لأنه مهيأ للاقتيات (والثاني) لا يجزئه وهو الأصح لأنه قد فوت فيه وجوها من المنفعة. وان أخرج القيمة لم يجزه كما قلنا في الزكاة وأكثر أهل المدن يقلدون من يجيز اخراج القيمة بيد أن الأولى عندنا والأقرب إلى المذهب أن يشترى دقيقا يخرجه منه، وهو وجه صحيح عندنا، وإن كان الأصح غيره كما تقدم.
(مسألة) قوله " ولا يجوز أن يدفع الواجب إلى أقل من ستين مسكينا الخ " فجملة ذلك أنه إذا دفع إلى مائة وعشرين مسكينا ستين مدا لكل مسكين نصف مد لم يجزه ذلك. وقيل له اختر له منهم ستين مسكينا وادفع إلى كل واحد منهم نصف مد، لأنه لا يجوز أن يدفع إلى كل واحد منهم أقل من مد، فإن دفع إلى ستين مسكينا ستين مدا إلى كل واحد منهم مدا دفعة واحدة أو في أوقات متفرقة أجزأه لقوله تعالى " فإطعام ستين مسكينا " فعم ولم يخصص.