وأما النفي فإن كان فيه تفريق بينه وبين الأهل فهو إكراه، وإن لم يكن فيه تفريق بينه وبين الأهل ففيه وجهان (أحدهما) أنه أكره لأنه جعل النفي عقوبة كالحد، ولأنه تلحقه الوحشة بمفارقة الوطن (والثاني) ليس بإكراه لتساوي البلاد في حقه. وإذا أكره على الطلاق فنوى الايقاع ففيه وجهان (أحدهما) لا يقع لان اللفظ يسقط حكمه بالاكراه، وبقيت النية من غير لفظ، فلم يقع بها الطلاق.
(والثاني) انه يقع لأنه صار بالنية مختارا (فصل) وان قال الأعجمي لامرأته أنت طالق وهو لا يعرف معناه ولا نوى موجبه لم يقع الطلاق، كما لو تكلم بكلمة الكفر وهو لا يعرف معناه ولم يرد موجبه، وان أراد موجبه بالعربية ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول الماوردي البصري أنه يقع لأنه قصد موجبه فلزمه حكمه (والثاني) وهو قول الشيخ أبى حامد الأسفراييني رحمه الله أنه لا يصح كما لا يصير كافرا إذا تكلم بكلمة الكفر وأراد موجبه بالعربية.
(الشرح) الحديث أخرجه ابن ماجة وابن حبان والدارقطني والطبراني والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس بهذا اللفظ الذي ساقه المصنف " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وحسنه النووي، وقد أطال الحافظ ابن حجر في باب شروط الصلاة من التلخيص الحبير أما الأحكام فإن أكره على الطلاق فطلق - فإن كان مكرها بحكم قضائي وقع الطلاق، كما نقول في الحربي إذا أكره على كلمة التوحد، وإن كان مكرها بغير حق ولم ينو إيقاع الطلاق فالمنصوص أنه لا يقع طلاقه. وحكى المسعودي وابن الصباغ وجها آخر أنه لا يقع إذا ورى بغير الطلاق، مثل أن يريد به طلاقها من وثاق أو يريد امرأة اسمها كاسم امرأته والمذهب الأول وبه قال عمر وعلى وابن الزبير وابن عمر وشريح والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء ومجاهد وطاوس ومالك والأوزاعي.