فإذا ضمن بأمره وقضى بأمره فإنه يرجع به عليه لأنه أذن له في ذلك فيلزمه قضاؤه.
وأما إذا ضمن بغير أمره وأدى بغير أمره فإنه يكون متبرعا فلا يرجع به عليه. وأما إذا ضمن عنه باذنه وأدى بغير إذنه فإنه يلزمه، لأنا قد بينا أن بنفس الضمان انتقل الدين إلى ذمته، ولا يحتاج في قضائه إلى إذنه.
وأما إذا ضمن بغير أمره وأدى بأمره فإنه لا يرجع عليه لأنه التزم بغير أمر منه متبرعا فانتقل المال إلى ذمته فلا تأثير لإذنه له في القضاء عنه لأن قضاءه بعد الضمان إنما هو عن نفسه لا عن غيره لأنه واجب عليه دونه.
فأما بيان الحقوق التي يصح فيها الضمان ولا يصح، فجملته أن الحقوق على أربعة أضرب: حق لازم مستقر، وحق لازم غير مستقر، وحق ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم، وحق ليس بلازم ولكنه يؤول إلى اللزوم.
فأما الضرب الأول فهو الذي أمن سقوطه ببطلان أسبابه، وذلك مثل الثمن في البيع بعد تسليم المبيع والمهر بعد الدخول والأجرة بعد انقضاء المدة، فهذه حقوق لازمة مستقرة لأنها لا تسقط ببطلان العقود، فهذه يصح ضمانها بلا خلاف.
وأما الضرب الثاني الذي يسقط ببطلان أسبابها، مثل ثمن المبيع قبل التسليم والأجرة قبل انقضاء الإجارة والمهر قبل الدخول لأنها معرضة للسقوط بتلف المبيع وانهدام الدار المستأجرة والطلاق قبل الدخول والارتداد قبل الدخول، فهذه الحقوق لازمة غير مستقرة، فيصح ضمانها أيضا بلا خلاف.
وأما الضرب الثالث فهو الحق الذي ليس بلازم في الحال ولا يؤول إلى اللزوم، وذلك مثل مال الكتابة، لأنه لا يلزم العبد في الحال لأن للمكاتب إسقاطه بفسخ الكتابة للعجز، ولا يؤول إلى اللزوم أيضا لأنه إذا أداه عتق وإذا عتق خرج من أن يكون مكاتبا، فلا يتصور أن يلزمه في ذمته مال الكتابة بحيث لا يكون له الامتناع من أدائه، فهذا المال لا يصح ضمانه لأن الضمان إثبات مال في الذمة