مصباح الأنس بين المعقول والمشهود - محمد بن حمزة الفناري - الصفحة ٧٩
10 - 3 واما تسميته تعالى: كل ممكن قبل وجوده شيئا في قوله تعالى: انما امرنا لشئ إذا
- صدر الشرطية وننظر الآية فقولهم في الايجاد الكلى للعالم كأن له ان الانشاء فلا يظهر باعتبار ذاته الأحدية الغيبية عن العالمين ونسبتها إلى الطرفين على السواء، ونسبة التعلق بالعالم وتعلق العالم به من كونه إليها لا من حيث ذاته الصرف، وبهذا الاعتبار يجب وجود العالم وعدمه ممتنع، لأنه إحدى الصفات وامر واحد وعلمه بنفسه وبالأشياء علم واحد ولا يمكن غير ما هو المعلوم المراد في نفسه تعالى، القدرة تتعلق بما عينته الإرادة والإرادة تتبع العلم وعلمه بالأشياء على ما هي عليه بحسب الواقع لا اختلاف فيه ولا يعتبر ولا يصح ولا به تردد ولا امكان حكمين مختلفين، فالمشيئة والاختيار إحدى التعلق ولا يجوز تعلقها بالطرفين - للزوم التناقض وتحويزه - فالواقع واجب وما عداه مستحمل الوجود لأحدية امره الكامل وحزم علمه الشامل، فالحق تعالى من حيث صفاته وأسمائه وحكمته وعلمه بالأصلح هو الأحسن، وارادته كمال الجلاء والاستجلاء بحيث منه صدور العالم ولا يزلم التعطيل في الصفات، فعدم ذلك بحسب تلك المرتبة فيرتفع التنافي، فالاختيار الثابت للحق تعالى ليس على نحو الاختيار المتصور للخلق من التردد الواقع بين أمرين كل منهما ممكن الوقوع عند المختار، ثم يترجح عنده أحد الامرين لمزيد فائدة أو مصلحة، فان هذا محال في حقه، فالأشياء جميعها مرتسمة في عرصة علمه تعالى أزلا متعينة بصور خاصة مترتبة ترتيبا أزليا ذاتيا لا أكمل منه في نفس الامر، فصدر منه سبحانه على ذلك الوجه الأحسن الأكمل، فبالايجاد يظهر الأولى من كل أمرين، فتوهم امكان وجود كل منهما انما هو بالنسبة إلى المتوهم الذي يصدق في حقه الاتصاف بالتردد والترجح، واما في الواقع ونفس الامر فبالترتيب الثابت للمعلومات أزلا من دون جعل على الوجه الأتم نفع في الخارج، فالقدرة أبرزت الأشياء بموجب الشهود العلمي الأزلي، فظهر هنا على ما كان عليه هناك، فإذا كان ذلك الترتيب الوجودي على الوجه الأحسن الأكمل بحيث لا أكمل وأتم منه، فصدوره منه على سبيل الوجوب والجزم، فالواقع واجب وغير الواقع مستحيل الموجود، وان حكم المحجوب بامكانه فالاختيار المضاف إلى الحق ليس فيه امكان ولا تردد، بل الأولى من كل الأمور يصدر من الحق دون روية ولا تردد ولا قصد ولا ترجيح مقرون بالامكان في مقتضى الحكمة والكمال الأسمائي بحسب صدور العالم ووجوده، فذلك الوجوب لا يحبله مجبورا وموجبا - بفتح الجيم - وليس فيه بعد، فمن الجائز، والموجب نظيره بوجه ثابت في اختيار الخلق بعد الظهور المنفعة والتصديق بها وتحقق العزم والجزم بسر حد الكمال والتمام، فإنه حينئذ بحسب صدور الفعل ويمتنع عدمه ولا يكون الفاعل حينئذ مجبور أو مضطر أو يصدق على ذلك الفعل الوجوبي واللزومي على سبيل الاختيار، مع أنه لا يمكن وقوع ما هو خلاف المعلوم المصدق المجزوم في نفس الامر، فحال الواجب تعالى من وجه في أول الأمر وبحسب ذاته كحال العازم الجازم ومن حيث ذاته فعلى فعليته ووحدته الصرفة في نسبته إلى الصدور ولا صدور كحال الخلق قبل التصور والتصديق والعزم والجزم في نسبته إلى صدور ذلك الفعل وعدمه من جهة تساوى النسبة إليهما، وصدق الشرطية في الاعتبار الثاني دون الأول.
فان قلت: ان صدق الشرطية لا تقتضى صدق المقدم أو انكاره، بل تصدق في صورة امتناع المقدم فلا ينافيه قاعدة الايجاب، فالشرطية المذكورة، أي ان لم يشأ لم يفعل، أو لم يقع تصدق على الاعتبار الأول الذي بحسب المشيئة ويمتنع عدمها كما فصلنا، فلا يصح ما ذكرت من صدق الشرطية في الاعتبار الثاني دون الأول.
قلت: نعم ولكن كلامنا ههنا على مشرب ومذاق اخر غير ذلك المشرب المعروف، بل يمكن ان يقال إن ذلك جواب جدلي وما ذكرنا هو الجواب الحقيقي لأنه يستفاد من كلامهم صحة استناد عدم المشيئة وجوازه إلى الحق تعالى حيث قالوا: كان له تعالى ان الانشاء فلا يظهر، فعلى هذا والتحقيق ما فصلنا، واما الاختيار الترديدي الذي للعباد في الجزئيات، فيمكن اضافته إلى الحق تعالى، ولكن لا مطلقا ومن حيث ذاته، بل من حيث تجلى -