مصباح الأنس بين المعقول والمشهود - محمد بن حمزة الفناري - الصفحة ٨٣
محتاجا إلى معلولها، وكل موصوف ملزوم محتاجا إلى صفة لازمة، وفيه دور.
- مثلا ماهية الجوهرية بما هو جوهر نحو وجودها هو القيام بذاتها والاستغناء عن الموضوع، ونحو وجود العرض بما هو عرض هو الافتقار في الموضوع ولا يصح ان ينقلب نحو وجود ماهية جوهر من الاستغناء إلى الافتقار والماهية هي ماهية الجوهرية، وكذا في ماهية العرض، واما وجوداتها الإضافية والنسبية فيمكن ان يكون مختلفة باختلاف الخارجات، مثلا الافتقار إلى الاكل انما يعرض للانسان لا لأجل بقاء الانسانية بل بسبب الحرارة المحلية للمواد وقد يزول بزوالها، وكذا الاستغناء عن اللباس بالذات لا ينافي عروض الافتقار إليه بسبب برد مفرط، لان كون الانسان آكلا ولا بسا ليس نحو وجوه المختص به، وكذا نظائرها من الموجودات الإضافية والنسبية، ولأجل ما ذكرنا، أي عدم مراعاة الفرق بين الموجودين اشتبه الامر فقيل بامكان الواسطة بين الغنى الذاتي أو جواز عروض الافتقار لعلة كما سيأتي، وإلى تلك المقدمة المذكورة بقوله: لأنها طبيعة نوعية يختلف بالخارجات دون الفصول. انتهى، فتدبر.
وبعد تمهيد تلك المقدمة فنقول: اما تقرير كلام الشيخ في الإشارات على ما أشار إليه الشارح المحقق بقوله:
فان قلت: الشئ ان اقتضى أمرا... إلى اخره: فهو ان الطبيعة الامتدادية الجسمانية اما ان يكون بذاتها ومن حيث هي مجردة عن الخصوصيات غنية عن الهيولي أو لم يكن، فإن لم يكن غنية بالذات فتكون مفتقرة لذاتها فيلزم حلولها في المحل أينما تحققت، سواء كانت في العنصريات أو في الفلكيات، أي في الأجسام القابلة للانفصال الخارجي أو غيرها، وإن كانت غنية بذاتها فاستحال حلولها في المحل أينما تحققت، لان الحلول في المحل عين الافتقار إليه ونحو وجود الحال والغنى عنه إذا كان ذاتيا استحال زواله ولو بالغير، لان ما بالذات لا يزول ولا يزال، فاستحال حلولها في المحل، ولكن الحلول ثابت في بعض الأجسام وهو ينافي كون الفناء ذاتيا للجسم من حيث الجسمية، كما صرح الشيخ بقوله: وإذا عرف في بعض أحوالها حاجتها إلى ما تقوم فيه عرف ان طبيعتها غير مستغنية عما تقوم فيه، ولو كانت طبيعتها طبيعة ما تقوم بذاتها فحيث كان لها ذات كانت لها تلك الطبيعة. انتهى قوله: فحيث كانت لها ذات، إشارة إلى التعليل المذكور، أي ان ما بالذات لا يزول، قوله: كانت لها تلك الطبيعة، أي الطبيعة القائمة بذاتها وغير حالة في المحل، بمعنى ان الطبيعة الحسية إذا كانت في حد ذاتها مستغنية القوام عن المحل فحيث وجدت وجدت بلا محل، لان ذاتها تلك الذات وما كان بحسب ذاته لتحصل القوام بلا تعلق لغيره كان ذلك نحو وجوده الذاتي، والذاتي لا يختلف ولا يتخلف، فإذا وجدت فلا يجامع المحل ولكنها جمعت في بعض أحوالها، أي في الأجسام العنصرية، فعلم أنها لم يكن مستغنية، إذا عرفت ما ذكرنا علمت أن ما ذكره الأستاذ بقوله:
وأيضا ليس في كلام الشيخ ما يدل على أنه لو كان مستغنيا لكان لا يجامعه محل نظر وتأمل، وكذا ما ذكره الأستاذ بقوله، وأيضا قوله: ولا يلزم كون الشئ مستغنيا عدم مجامعته، وكذا قوله: وأيضا تعليل الاستغناء بعدم المجامعة بان ما بالذات لا يزول عليل، لأنه يمكن ان يكون استغناء الشئ عن الشئ ثابتا للشئ ويجامع ذلك الشئ مع ما يستغنى عنه باعتبار غير نفس ذاته، انتهى محل نظر، وخدشه ناش من عدم رعاية تلك المقدمة المذكورة وعدم مراعاة الفرق بين الموجودين، أي الذاتي والنسبي العرضي كأنه قد فرض المحال الحلول في المحل أمرا عرضي للطبيعة، نظير الاكل واللبس اللذين ذكرناهما بأنهما قد يجتمعان مع الانسان ويفرقان لعلة خارجة وليس الامر كذلك، لان الحلول عبارة عن نحو وجود الحال، وإذا كان نحو وجود الذاتي للماهية افتقاريا ناعتيا فلا يمكن تحققها ووجودها قائما بذاتهما، وكذلك إذا كان نحو وجود الذاتي للماهية قائما بذاته بلا تعلق بغيره، فلا يمكن ان يوجد مع الغير ويجامع المحل، والا لزم الانقلاب، فعروض الافتقار إلى المحل بعد ان لم يكن بسبب أمر اخر، وكذا -