مصباح الأنس بين المعقول والمشهود - محمد بن حمزة الفناري - الصفحة ٨٢
16 - 3 اما في الأول: فلان الاقتضاء لا يقتضى الاحتياج، والا لكان كل علة موجبة
- أثبت الهيولي في الفلكيات، وأين هذا من الاقتضاء؟ فان الاقتضاء الذاتي تساوق توقف ذات الشئ لما يفتقر إليه، واقتضاء الشئ للشئ ايجابه لذلك الشئ مقدم عليه وما يوجبه الشئ متأخر عنه، فان سومح وسمى الاحتياج والتوقف بالاقتضاء فلا بأس به، لكن لا ينتقض حينئذ باقتضائه العلية للمعلوم والملزوم للازم وعدم احتياجهما إليهما، لان اقتضائهما للمعلول واللازم بمعنى ايجابهما لهما لا توقفهما عليهما، وفيما نحن فيه الاقتضاء بمعنى التوقف، وأيضا ما يقال في المقدمة الثانية من أنه ان لم يقتض يكون مستغنيا، لا يقول به الشيخ الرئيس وليس في كلامه اقتضاء أصلا، بل يلزم من كلامه انه لو لم يكن محتاجا لكان مستغنيا، لكن لما علم أنه غير مستغن لم يكن مستغنيا، وأيضا ليس في كلام الشيخ ما يدل على أنه لو كان مستغنيا لكان لا يجامعه ولا يلزم من كون الشئ مستغنيا عن الشئ بذاته عدم مجامعته له وانما يلزم منه الاستغناء، لكان الافتراق والاجتماع، ونحن ننقل كلام الشيخ بعين عبارته ليتفتح الحال.
قال في الإشارات: إشارة: قد علمت أن للجسم مقدارا ثخينا متصلا وانه قد يعرض له انفصال وانفكاك وتعلم أن المتصل بذاته غير القابل للاتصال والانفصال قبولا يكون هو بعينه الموصوف بالامرين، فاذن قوة هذا القبول غير وجود المقبول بالفعل وغير هيأته وصورته، وتلك القوة لغير ما هو ذات المتصل بذاته الذي عند الانفصال يعدم ويوجد غيره وعند عود الاتصال يعود مثله متجددا - وهم وتنبيه - ولعلك تقول: ان هذا ان لزم فإنما يلزم فيما يقبل الفلك والتفصيل وليس كل جسم فيما احسب كذلك، فان خطر هذا ببالك فاعلم أن طبيعة الامتداد الجسماني في نفسها واحدة وما لها من الغنى عن القابل أو الحاجة إليه متشابه، وإذا عرف في بعض أحوالها حاجتها إلى ما تقوم فيه عرف ان طبيعتها غير مستغنية عما تقوم فيه، ولو كانت طبيعتها طبيعة ما يقوم بذاته فحيث كان لها ذات، كان لها تلك الطبيعة، لأنها طبيعة نوعية محصلة تختلف بالخارجات عنها دون الفصول. انتهى عبارته.
فان التفت إلى ما ذكرته من البيان وأمعنت النظر في كلامه قدس سره ظهر ان فحوى كلامه غير ما ذكره وأيضا تعليل الاستغناء لعدم المجامعة بان بالذات لا يزول عليل (عليك) فإنه يمكن ان يكون الاستغناء الذاتي عن الشئ ثابتا للشئ ويجامع ذلك الشئ مع ما يستغنى عنه باعتبار غير نفس ذاته، وأيضا قوله: واما الثاني فلان عدم الاقتضاء الذاتي لا يستلزم الاستغناء الذاتي إن كان بمعنى الحاجة، لا خفاء في أن عدمه يستلزم الاستغناء الذاتي، بل عدمه نفس الاستغناء، وإن كان بمعنى ايجاب الشئ للشئ، فعدم الايجاب الذاتي يستلزم الاستغناء الذاتي، وأيضا قوله: فلعل كلا منهما بسبب خارجي خارج عن الفرض، لان الكلام في الذاتي والسبب الخارجي خارج عن الفرض، وكذلك قوله: إذا كان الاقتضاء بشرط خارجي خارج عن الفرض، قوله: كما قلنا إشارة إلى قوله: فلان الاقتضاء يقتضى الاحتياج -.
هذا ما كتبه الأستاذ في هذا المقام في غاية التحقيق ولكني أقول توضيحا للمقصود ما ذكره الشارح المحقق بقوله: فان قلت: الشئ ان اقتضى أمرا كالظهور المعين... إلى اخره، ونسبه إلى الشيخ الرئيس بقوله: هذه نكتة ذكرها الرئيس ابن سينا، فيمكن تقريره على وجه يكون مطابقا لما قرره الشيخ في الإشارات ولا يرد عليه اعتراض الشارح ولا ما اعترضه الأستاذ، ولكن يحتاج إلى تقديم مقدمة تبنى عليها ذلك الطريق الذي ذكره الشيخ في الإشارات في تقدير ثبوت الهيولي من العنصريات إلى الفلكيات أي في افتقار الأجسام من حيث جسميتها إلى الهيولي وهى ان كل ماهية واحدة نحو وجوده الذاتي لا يكون متفاوتا فلا يجوز ان يكون نحو وجود الماهية المختص بها من حيث هي هي مختلفا بحسب اختلاف الخارجة عنها وعن مقوماتها، -