رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله عز وجل يطعمهم ويسقيهم (1) ".
قال بعض فضلاء الأطباء: ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية، المشتملة على حكم إلهية، لا سيما للأطباء ولمن يعالج المرضى. وذلك: أن المريض إذا عاف الطعام أو الشراب، فذلك: لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض، أو لسقوط شهوته أو نقصانها: لضعف الحرارة.
الغريزية، أو خمودها. وكيفما كان: فلا يجوز حينئذ إعطاء الغذاء في هذه الحالة.
واعلم أن الجوع إنما هو: طلب الأعضاء للغذاء، لتخلف الطبيعة به عليها، عوض ما يتحلل منها، فتجذب الأعضاء القصوى من الأعضاء الدنيا، حتى ينتهى الجذب إلى المعدة، فيحس الانسان بالجوع، فيطلب الغذاء. وإذا وجد المرض: اشتغلت الطبيعة بمادته وإنضاجها وإخراجها، عن طلب الغذاء أو الشراب. فإذا أكره المريض على استعمال شئ من ذلك: تعطلت به الطبيعة عن فعلها، واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه. فيكون ذلك سببا لضرر المريض، ولا سيما في أوقات البحارين (2)، أو ضعف الحار الغريزي، أو خموده. فيكون ذلك زيادة في البلية، وتعجيل النازلة المتوقعة. ولا ينبغي أن يستعمل في هذا الوقت والحال، إلا ما يحفظ عليه قوته ويقويها، من غير استعمال مزعج للطبيعة البتة. وذلك يكون بما لطف قوامه: من الأشربة والأغذية.
واعتدال مزاجه: كشراب اللينوفر (3) والتفاح والورد الطري، وما أشبه ذلك. ومن الأغذية: أمراق الفراريج المعتدلة المطيبة (4) فقط. وإنعاش قواه: بالاراييج (5) العطرة .